قال القرطبي رحمه الله (ج2 ص46): ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة، وذهب عامة المعتزلة وأبوإسحاق الأستراباذي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام، لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفّة والشعوذة، كما قال تعالى: يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى (?) ولم يقل: تسعى على الحقيقة، ولكن قال: يخيّل إليه وقال أيضًا: سحروا أعين النّاس (?) وهذا لا حجة فيه، لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوّزها العقل وورد بها السمع، فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه ولا أخبر تعالى أنّهم يعلمونه الناس فدل على أن له حقيقة، وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: وجاءوا بسحر عظيم وسورة الفلق مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم،