خفيف، ذكرت عائشة أشد أعراضه بقولها: (حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) وفي رواية: (حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن).
وفي أخرى: (يخيل إليه كان يفعل الشيء وما فعله). والرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات، فالأخريان محمولتان عليها.
وفي "فتح الباري" (ج10 ص193): قال بعض العلماء: (لا يلزم من أنه يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، أن يجزم بفعله ذلك وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت).
أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا، فإن فيه شعوره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه.
فالذي يتحقق دلالة الخبر عليه أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء إلى عائشة وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم عالم أنه لم يجئها، ولكنه كان يعاوده ذاك الخاطر على خلاف عادته، فتأذّى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذلك، وليس في حمل الحديث على هذا تعسف ولا تكلف.
المقام الثاني: في الحديث عن عائشة: حتّى إذا كان ذات يوم وهو عندي، لكنّه دعا ودعا، ثمّ قال: ((يا عائشة أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان)). (أي: ملكان -كما في رواية أخرى- في صورة رجلين) ... فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان)) فأتاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ناس من أصحابه، فجاء، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: ((قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على النّاس شرًّا فأمرت بها فدفنت)).