.. ولا يفهم من قوله: "وأغضب كما يغضب البشر" أن الغضب حمله على مالا يجب، بل يجوز أن يكون المراد بهذا أن الغضب لله حمله على معاقبته بلعنه أو سبه، وأنه مما كان يحتمل، ويجوز عفوه عنه، أو كان مما خير بين المعاقبة فيه والعفو عنه (?) .

... ومع ذلك، فمن كمال شفقته، وخلقه على أمته، سأل ربه عز وجل، أن يجعل دعاءه مغفرة ورحمة لمن دعا عليه من أمته.

والوجه الثالث: أن يكون اللعن والسب والجلد، وقع منه صلى الله عليه وسلم، من غير قصد إليه، فلا يكون فى ذلك، كاللعنة، والسبة، والجلدة، الواقعة بقصد ونية، ورغبة إلى الله، وطلباً للاستجابة، بل كل ذلك يجرى على عادة العرب فى وصل كلامها عند الحرج، والتأكيد للعتب، لا على نية وقوع ذلك نحو قولهم: عقرى حلقى، وتربت يمينك، فأشفق من موافقة أمثالها القدر، فعاهد ربه، ورغب إليه، أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة (?) وأشار القاضى عياض إلى ترجيح هذا الوجه (?) وحسنه الحافظ ابن حجر؛ إلا أنه أخذ عليه أن قوله "جلدته" لا يتمشى فيه، إذ لا يقع الجلد عن غيره قصد… إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه (?) .

... قلت: هى محمولة على الجلدة الواحدة، وسيأتى من حديث أبى السوار عن خاله، وعن ابن عباس، أن الجلدة تقع منه صلى الله عليه وسلم، عن غير قصد، وهو ما يرجح عندى هذا الوجه الثالث مع الوجه الثانى ويشهد لرجحان الوجه الثالث ما يلى:

ما روى عن أنس قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحشاً، ولا لعاناً، ولا سباباً، كان يقول عن المعتبة: ماله ترب جبينه" (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015