رحمه للعالمين (صفحة 862)

وليعلم أن مراتب اليقين ثلاث إذا فصلت:

فالمرتبة الأولى تتضمن الأوامر والنواهي وعلم المعاد وعلم الأسماء والصفات.

وحينما يثق العبد بصدق هذه العلوم وحقيقتها تحصل له هذه المرتبة.

والمرتبة الثانية لا تبقى فيها حاجة الاستدلال، بل يعتبر الدليل عبثا، وتحل الرؤية مقام السمع، وهذا هو عين اليقين.

والمرتبة الثالثة تتجلى بها شمس الحقيقة، وتزول كلفة اليقين، ويتجلى الحق بكماله. وهذا هو حق اليقين، وهو خاص بالأنبياء عليهم السلام، فتنكشف أمام عيونهم جميع الأسرار والخفايا، وتظهر لهم علوم المعاد مثل ظهور الأشياء المادية للآخرين (?).

وتأملوا فقد جعل النبي (ص) في حديث العنوان ((اليقين)) قوته أي غذاءه، ومن الظاهر أن نمو الجسم يتوقف على الغذاء وبه يتم تربية الجسم، واتضح من هذا مدى بعد النبي (ص) عن الأسباب المادية.

وحتى نعرف قوة يقين النبي (ص) ينبغي أن نعرف قوة يقين الصحابة رضي الله عنهم.

تأملوا حال ذلك الصحابي في غزوة أحد الذي أمسك بحبات العنب وجلس يأكلها حتى يستعد للمعركة فسمع النبي (ص) وهو يعد الشهداء بالجنة ألقى حبات العنب قائلا: إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه الحبات ودخل المعركة وقاتل بشجاعة حتى استشهد فكتبت له الجنة.

ومثله حال النقيب المحمدي عبد الله بن رواحة الأنصاري، الذي راح يقاتل أعداء الإسلام، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم، قال: شد بهذا ظهرك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، أخذه من يده ثم سمع الحطمة في الناس فقال: وأنت في الدنيا! ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل (?).

حقا يمزق اليقين حجاب الشك والوهم، فتتجلى الحقيقة، وترتفع درجة الرؤية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015