بالرب لا تجعل المتاع الحاضر موجبا للطمأنينة، وفقدان هذا المتاع نفسه لا يشوش القلب، وهذا هو أعلى منزلة الزهد، ولا يعترض عليه بأنه يمنع وسائل الكسب، أو يعارض أصول المدنية.
13 - واليقين قوتي: من الواضح أن ذكر اليقين وأهله تردد في عديد من آيات القرآن الكريم: {الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (*) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} (البقرة: 4 - 5).
فالفلاح والهداية ثمرة لليقين.
{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} (السجدة: 24).
أي الإمامة في الدين نتيجة اجتماع الصبر واليقين.
{وفي الأرض آيات للموقنين (*) وفي أنفسكم} (الذاريات: 20، 21).
وهكذا أكدت الآيات السابقة على ضرورة النظر في الآيات الربانية والتأمل في العلامات الإلهية وأن الانتفاع بهذا النظر والتأمل لا يتحقق إلا لأهل اليقين.
والحاصل أن منزلة الروح من الجسم هي منزلة اليقين من الجسد الإيماني، فاليقين هو روح أعمال القلب، وهو حقيقة المصداقية.
واختلف العلماء في كون اليقين كسبيا أو وهبيا. وإني أرى أنه كسبي بالنظر إلى الأسباب، ووهبي بالنظر إلى أصله.
قال سهل التستري: إن البداية بالمكاشفة، ثم يتدرج الإنسان في مدارج المعاينة والمشاهدة حتى يصل إلى اليقين.
وقال ذو النون المصري: إن علامات اليقين ثلاث:
1 - قلة مخالطة الناس في العشرة.
2 - وعدم مدح الناس على عطاياهم.
3 - وعدم ذمهم على منع العطية.
وقال: حقيقة اليقين أن ينظر العبد في كل شيء إلى الله، وأن يرجع إليه في كل أمره، وأن يستعين به في كل حالة (?).