ولم تكن عيون معظم المسلمين قد اكتحلت برؤية صاحب الرسالة، وما كانوا يعرفونه من أبي بكر الصديق حتى قام أبو بكر فأظل النبي بردائه فعرفوه (?).
وبقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك البقعة إلى يوم الخميس وكان أول عمل أنجزه أثناء إقامته في هذه الأيام الثلاثة (?) هو بناء مسجد لعبادة الله وحده لا شريك له. وقد وصل إلى ذلك المكان علي المرتضى رضي الله عنه وقدم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وصل من مكة، التي بقي فيها عدة أيام بناء على طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي يؤدي الأمانات الموجودة في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهلها.
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول السنة الأولى للهجرة ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - من قباء ولم يكد يصل إلى بيوت بني سالم حتى أدركته الجمعة فصلاه مع مائة شخص فكانت أول جمعة في الإسلام.
خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول جمعة جمعها بالمدينة في بني سالم بن عوف. فقال:
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعه وقرب من الأجل.
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، أوصيكم بتقوى الله فإن خيرا ما أوصي به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرا وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما يبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم.