رحمه للعالمين (صفحة 615)

ووسيلة البعد عن الله تعالى. وقد أصدر هذا الحكم في زمن كان العالم كله قد أشرب في قلبه الخمر، فأتباع بولس يرون شرب الماء بدونها حطا من شأنهم، وأهل إيران يعتبرون كأسها كأسا ملكية، وأهل الهند لا يجدون بدا من استعمالها للتقرب إلى الآلهة، وكانت معظم الطقوس الدينية والدنيوية لا تكتمل بدونها، وكان كلام الشعراء العرب لا يخلو من وصفها، لقد ظل العالم طيلة ثلاثة عشر قرنا يواجه هذا الحكم الذي جاء به الإسلام حتى كشفت الحرب العالمية الأولى (من سنة 1914 م إلى سنة 1918 م) عن حقيقته.

فجورج الخامس ملك بريطانيا هو أول من كان قدوة لقومه في الإقلاع عن شرب الخمر واتبعته روسيا وإنكلترا وفرنسا في ذلك إلى حد ما. وعقدت أمريكا العزم على عدم صنع الخمر، والواقع أن تركها رحمة.

إن رحمة للعالمين هو أول شخصية مباركة هدت العالم إلى هذه المسئلة، وهذا الحكم ومثله من الأحكام الواردة في الكتاب والسنة يبلغ عددها المئات.

إذا أمعن القارئ النظر، علم أن جميع المسائل التي ذكرناها في هذا البحث، هي مما ينفع المسلمين وغير المسلمين على السواء، ولا يمكن لأحد أن يتصور قيام حضارة أو استمرار تمدن دون التمسك بها، ولهذا يضطر العالم إلى الاعتراف بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان رحمة للعالمين بحق.

إلا أن عطف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين أشد وأكبر، وهم يسعون للاستنارة بهذه الشمس أكثر فأكثر. ولهذا السبب وصفه الله بقوله {بالمؤمنين رؤف رحيم} فقد أضاف إليه صفة الرأفة مع صفة الرحمة.

فهنيئا للذين يستفيضون من رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأفته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015