جاء قوله بينكم وبينهم ميثاق، بل كانوا منهم في درجة {فإخوانكم في الدين}.
ولهؤلاء القوم المعاهدين من الاحترام ما لو انضم إليهم أحد من الفريق المحارب لخرج عن حكم المحاربين، وكذلك يخرج عن حكم المحاربين من يعاهد المسلمين بالحياد، لا يتعصب للمسلمين ولا لخصومهم. فلو كانت الحرب على أساس إكراه الناس على اعتناق الإسلام لما قررت هذه المبادئ لغير المسلمين.
إن رحمة للعالمين هو الذي لقن الناس دروس الأخلاق الفاضلة، والفضائل المحمودة والمحاسن الجميلة، والصفات الشاملة فيما يتعلق بالوالدين علمهم قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} (سورة الإسراء: 24).
أمرهم هنا بالطاعة والخدمة كما أمرهم بأن يدعوا لهما لأن كل إنسان يحتاج إلى رحمة الله احتياج الطفل إلى تربية أبويه.
وحث على الصفح عن المخطئين فقال: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} (سورة النور: 22).
إن العفو أمر يشق على الإنسان، ومن هنا أفهم الناس أنه إذا كان هو نفسه يطلب من الله العفو فما باله لا يحب أن يعفو عن غيره، فكأن الله يرشده إلى مبدأ "اصفح تصفح".
وقد اختير نفس الأسلوب لبيان قبح الزنا قال تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} (سورة الإسراء: 32).
إن الماجن وهو في حالته تلك قد لا يعتبر الزنا أمرا شائنا، ولكن ينبغي له أن يفكر أنه إن كان لا يكره أن يزنى بابنة غيره، ألا يكره ذلك لابنته، فإن كانت غيرته لا تسمح له بذلك، فليعلم أنه نفسه يمهد السبيل بعمله هذا لمثل هذه الفاحشة، وهذا السبيل سوف ينطلق مباشرة إلى بيته.
إن رحمة للعالمين هو الذي بلغ تحريم الخمر والميسر إلى العالم كله وأوضح أن الخمر رجس من عمل الشيطان، وأنها أساس العداوة، مبعث البغضاء، ومجلب الغفلة،