رحمه للعالمين (صفحة 23)

وسيطر عليهم التمرد، وجعلوا من إخوانهم هدفا لإثبات شجاعتهم وجرأتهم، فغرست البطالة والكسل فيهم عادة الخمر والميسر، حتى تأصلت في نفوسهم، وأدى بعدهم عن الدول الأخرى إلى بقاء لغتهم صافية وكذا نسلهم، إلا أن استعمالهم للفصاحة اقتصر في معظمه على التفاخر بأنفسهم وتحقير غيرهم من الأمم، أو أنهم استخدموا كل براعتهم اللغوية لإذاعة غرامهم الفاحش والتشهير بعشيقاتهم، وقد غرست فيهم حياة العزلة كراهية المصاهرة، فكانوا يقومون بوأد بناتهم شرفا وشجاعة وفخرا.

ونشر الجهل فيهم عبادة الأوثان، تلك العبادة التي سيطرت على القلوب والعقول البشرية، فجعلتهم عبدة للوهم وهكذا بدأوا في عبادة كل ما في الطبيعة، عبدوا الأحجار والأشجار، والقمر والشمس والجبال والأنهار وغيرها، وهكذا نسوا عظمة الله وجلاله ونسوا أيضا قيمتهم ومكانتهم، لأنه لم تكن هناك أي قاعدة لحفظ الحقوق الإنسانية، كما لم يكن هناك أي قانون ينظم هذه الحقوق على أساس سليم، وكانت النتيجة: قتل النفس البشرية، النهب والسلب، الأسر، والسلوك السيء، والتدخل الجائر وخطف النساء جبرا أو عن طريق الإغراء، ووأد البنات، ذلك لأن عبادة الأوثان جعلت الإنسان في أعينهم أحقر الموجودات.

وصور جمود السنوات بل جمود الأجيال والقرون، لعقولهم وقلوبهم أنهم على أحسن حال، وأنه لا توجد مدنية تفوق مدنيتهم، ولا توجد ديانة أفضل من ديانتهم. ونتيجة لاتصال مختلف الحكومات والسلاطين بمختلف بقاع الجزيرة العربية، وجدت فيها ديانات مختلفة أخرى. ومن يعرف اليهودية (?)، والنصرانية (?) والصابئة وغيرها قد يخدع ظنا منه أن أولئك الناس يمثلون محاسن هذه الديانات، لكن الحقيقة هي أنهم أفسدوا الدين بدلا من أن يصلحوا بالدين أنفسهم، ولو رآهم موسى وعيسى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015