لكن العقل الباحث عن الحقيقة يرفض القيد حسياً كان أو معنوياً ويتحين الفرص ويذهب مع وفد من أهل الشام يسل عن أفضل أهل هذا الدين علماً..فدلوه علي أسقف في كنيسة، فجاءه يتعلم منه ويصلي معه، ويشاء الله أن يكون هذا الأسقف ممن أشار إليهم القرآن الكريم في قوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: 34) . يقول سلمان (فدخلت معه, فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا له شيئاً كنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتي جمع سبع قلا ذهب وورق، وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع) ..ويموت هذا الراهب ويخلفه آخر علي النقيض منه، زاهداًَ في الدنيا، راغباً في الآخرة، دائباً في العبادة، ويظل معه سلمان ويحبه حباً شديداً، ويقيم معه زماناً حتي تحضره الوفاة، فاستشاره سلمان بمن يلحق بعده، فأوصي به إلي رجل من "نصيبين". ذهب سلمان إلي "نصيبين" فوجد صاحبه خير رجل، وما لبث أن نزل به الموت فأوصي به إلي رجل ب"عمورية" من أرض الروم، وأقام عنده سلمان، واستقر به المقام، واكتسب بقرات وغنماً يرعي بها..ومرة أخري نزل بالرجل أمر الله، فسأله سلمان:إلي من توصي بي؟ وبم تأمرني؟..قال صاحب "عمورية": أي بني، والله ما أعلم أصبح أحد علي مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجراً إلي أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفي، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة،بين كتفيه خاتم النبوة..فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل..!!
وصوله إلي يثرب: