الوقت يقاطعون النبي وأصحابه سياسة واقتصادًا، وفي الوقت نفسه غدرت يهود قريظة فلم يبق للمسلمين في ذلك الوقت من أهل الأرض صديق ولا معين، ألا ترون أنهم لم يقاوموا هذا الحصار العسكري التاريخي العظيم في هذا الموقف الحرج إلا بسلاح الإيمان الصادق وصدق الالتجاء إلى الله - جل وعلا -كما قال تعالى عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)} [الأحزاب: 22] وقد كان من نتائج هذا الإيمان العظيم والتسليم الخالص لله -جل وعلا- ما قصه الله علينا في كتابه في قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} يعني من حصونهم {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 26، 27] وهذا الذي نصرهم الله به ما كان بحسبانهم ولا ظنهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9].

ولما علم الله - جل وعلا - من أهل بيعة الرضوان ذلك الإيمان والإخلاص الذي نوّه عنه بالاسم المبهم الذي هو اسم الموصول في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 18] أي من الإيمان والإخلاص، كان من نتائج ذلك الإيمان ما ذكره في قوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا (21)} [الفتح: 21] فصرح بأن إمكانياتهم العددية والعُددية لا تقدرهم عليها، فأقدرهم الله عليها لإخلاصهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015