على نظام السماء، ويعصي من خلق هذا الكون، ابتداء رحلته تراب وماء، أخذ الله ترابًا فبَلَّهُ بماءٍ فصار اسمه طينًا، ثم إن الله نقل هذا الطين من طور إلى طور خُمر حتَّى صار حمأَ مسنونًا، ويُبس حتَّى صار صلصالًا كالفخار، ثم خلق الله بقدرته منه رجلًا لحمًا ودمًا هو الأب آدم عليه صلوات الله وسلامه، فلما خلق هذا الإنسان من هذا التُّراب {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ} [آل عمران / 59]. لما خلق هذا الإنسان من هذا التُّراب خلق امرأته من ضلعه، وقد نص الله تعالى على أنَّه خلق حواء من آدم في ثلاث سور من كتابه: في أول سورة النساء في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء / 1] النَّفس: آدم، وزوجها التي خُلقت منه: حواء. وقال في سور الأعراف: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف / 189]. وقال في سورة الزمر: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر / 6].
ثم بعد أن صار هناك زوجان رجل وامرأة كان الطور الثَّاني للآدميين هي نطفة مَنِيٍّ تقع في رحم المرأة {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان / 2] أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة، ثم تمكث هذه النطفة في الرحم ما شاء الله، ثم ينقلها الله -جل وعلا- علقة، أي: دمًا جامدًا، ثم ينقل الله هذا الدم إلى مضغة -قطعة لحم على نحو ما يقطعه آكل اللحم ليمضغه- ثم إن الله يحول هذا اللحم إلى هيكل عظام يركب فيه هذه العظام بعضها ببعض، هذه السُلاميات، وهذا البنان، وهذه المفاصل يُركب بعضها ببعض، هذا التركيب الدقيق والصنع الهائل العجيب في كل عضو منا، وهذا الذي ركبه ليس بأخرق كما قال: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ