ثم أرْجعُ إلى بيان براهين (لا إله إلَّا الله) فالمشركون يقولون: كيف تجعل الآلهة إلها واحدًا؟ {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ (5)} [ص / 5] ما البرهان على وحدانية هذا الإله الذي رفع هذا الكون؟ هذا البرهان كرره الله في هذه السورة الكريمة تكريرًا كثيرًا، منه ما قال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة / 163]. ثم أتبع هذا بالأدلة العقلية في هذه السورة حيث قال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة / 164]. وهنا قال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة / 21]، يعني: من أعظم براهين عبادة الله وحده أنَّه خلقنا واخترعنا من العلم إلى الوجود، وخلقه لنا من غرائب وعجائب صنعه كما نبين منه نموذجا قليلًا هنا: أولًا: الله في القرآن يجعل الفرق والعلامة الفارقة بين من يستحق أن يُعبد ومن لا يستحق أن يُعبد هي الإبراز والاختراع والإبداء من العلم إلى الوجود، فمن يخترعك ويبرزك من العلم إلى الوجود عليك أن تعبده، ومن لا يخلقك فهو محتاج إلى خالق -مثلك- فأنت وهو ملزمان بأن تعبدا من خلقكما، ولذا قال هنا: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة / 21] وقال جل وعلا: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل / 17] لا والله {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [الرعد / 16] وخالق كل شيء هو معبود كل شيء، وهذه الحالة التي خلقنا عليها خالق الكون هي من غرائب وعجائب صنع مَنْ خلقنا، وقد أمرنا أمرًا