وخالف مالك في مشهور مذهبه، واشترط في تقويم عروض التجارة أن يصل يد التاجر نقد المال، وعثر بالمدوّنة بربع درهم، وشرّاحها يقولون: ولو أقل من ربع درهم، وهذا خالف فيه مالك جميع العلماء، حتى إنّ ابن حبيب من أصحابه خالفه وانضمّ إلى الجمهور، ولكنّا نقول: إن الإمام مالكًا، إنما قال هذا في وقت يكثر فيه الذهب والفضة، وينتشر فيه التجارة بالذهب والفضة، وهي أغلب الأثمان، وأن الأغلب عادة لا بدّ أن يصل يد مدير العروض بعض نقد المال؛ لأنه هو الذي به العمل والسعي في جميع المشتريات، ولا يكاد تاجر يسلم منه، أنها لو كان مالك موجودًا في زمننا هذا -بحيث لا يوجد نقد ولا فضة ولا ذهب- فمن المستحيل أن يقول للتاجر: هذه التجارات الطائلة، والأرباح النامية سنة بعد سنة تُشترى بها العقارات والدُّور هي معفاة من الزكاة، هذا ليس بصحيح، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267].
ونحن نقول: إنه لو فرضنا أن هناك أقوال وزيد يقول وعمرو يقول، فسيّد الخلق -صلوات الله وسلامه عليه- علمنا تعاليم واضحة، وأنوارًا نبوية ليس لنا أن نعدل عنها، وهو قوله -صلوات الله وسلامه عليه-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (?) وقوله: