ثم لم نزل في أسر المسير حتى أتينا على تبوك، وهي على النصف من طريق الشام، وفيها عين ونخل وحائط، وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها قلعة فيها بئر وشجرة توت، وحولها منازل للعرب ومزارع وأشجار على عيون وعريش.
ثم أتينا على المعز وهو قفر لا أنيس به، وأنشدني فيه السيد الأجل زين العابدين لعمِّه العلامة السيد زين الدين:
لا تحسبونا وإن شطّ المزار بنا ... وعاند الدهر في تفريقنا وقضى
نحوّل عن منهج الودّ القديم بكم ... أو نبتغي بالتنائي عنكم عِوَضا
وأنشدني للفاضل محمد أفندي الحنائي:
يا بني الزهراء لا لُقِّيتم ... أبد الآباد سوءاً من أحد
سِرّكم لاحَ بمعنى آدم ... فلذا كلّ إليه قد سجد
وقال آخر:
يا آل بيتِ رسول الله حبكم ... فرضٌ من اللهِ في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم ... من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له
وقال:
من العشاقِ باح الدمع لمّا ... نوى ركبُ العراق إلى الحجازِ
لزورة صاحب الزوراء من قد ... بنى سُبُل الحقيقة لا المجازِ
ثم مررنا بالمضيق، وهو مَسْلَك حصر كثير الأوعار والمحاجر، حتى أتينا على الأخيضر وهو واد مثلث الجوانب في جنوبيه قلعة سليمانية، بتاريخ ثمان وثلاثين وتسعمائة، وفيها عين تملأ منها ثلاث برك، تلاصق القلعة المبنية لحفظ البئر من دفنها أيام عصيان بني لام وبني عقبة.
ثم أتينا على المعظَّم وهو وادٍ فيه قلعة عثمانية عمرت سنة إحدى وثلاثين وألف،
غير أنَّه لم يكن بها ماء، وقد أشرفت على الدمار، وفيه يقول بعضهم:
يا ذا المعظم إنَّ فيك لقسوة ... فلأيّ معنى قد سُميت معظما
إنّ المعظم من يُغيثُ وفوده ... وأراك أفنيت الأنامَ من الظما
وعند القلعة بركة عظيمة متسعة جداً، يأتيها الماء من الأمطار، ولها خمس