أفندي العشاقي، لا زال في كلاءة القدير الباقي، فرأيت منه مَتَّعه الله بحياته وأمدَّه بسنيِّ صلاته، مولى قد استغنى عن الألقاب، بما حواه من شرف الجناب:
وليس يصحّ في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
ولم أكن أعرف ذاته الشريفة، ولا استنشقت عرف شمائله الوريفة، حتى دعتني إليه مكارمه، وأمدتني بمعروفه مراحمه، وأنشد في شأنه عندليب إحسانه:
لا عيب في جودهِ إلا ترادفهُ ... قبل السؤال فراجيه كخجلانِ
ومما جرى به القلم، في شأن هذا المفرد العلم:
قد قلت للمجد من تهوى تواصله ... وكلنا لك ذو وَجْدٍ وأشواقِ
فقال لي بلسانٍ غير معتذر ... لا أشتهي أن أوافي غير عشاقي
ولعل هذه معرفة نشأت عن العهد القديم، فانتشرت روائح عرفها الشميم، حتى أقول هذا مبتدأ ودادٍ لابد وأن يُرْفع خَبَرُه، وصِدْقُ ولاءٍ لاغَرْوَ أن يبدو على باب الصفاء أثره:
فأبقِ لي ودّه يا دهرُ متصلاً ... وخذ بقيةَ ما أبقيت من أملي
حكى الشيخ الأكبر في كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في غَزاة مَسْلَمَة بن عبد الملك بلاد الروم ودخوله فيها، أن جزيرتها ثمانية فراسخ، في المدينة منها أربعة فراسخ، ولما قَدِم مَسْلَمَة على عمر بن عبد العزيز وأخذ يصفها له، قال: ما
رأيت بلاداً تحكيها، هي مدينة بريّة بحرية، كثيرة الفاكهة والطعام واللباس، سورها من الحجر، وعرضه يسير عليه مائة فارس عرضاً، وأمّا الأبواب فإنّها حديد، وعرض ما بين كلّ بابين ميل، انتهى. وفي الخريدة هي مثلثة الشكل، منها جانبان في البحر وجانب في البر، وفيه باب الذهب، وطولها تسعة أميال، وعليها سور حصين ارتفاعه أحد وعشرون ذراعاً، ويحيط به سور آخر يسمى الفصيل وارتفاعه عشرة أذرع، وله مائة باب أعظمها المُمَوَّه بالذهب، وبها منارة بالقرب من دار الشفاء، قد ألبست جميعها من نحاس أصفر كالذهب محكم الصنعة والتحزيم، وعليها قبر قسطنطين، وعلى قبره صورة فرس من نحاس، عليه