منه إلى مدينة بمذو متاخمة لبلاد التبت فأقام بها، ودامت أيام هذا النابغ وعظم شأنه، وكان قصده ووكده خراب المدن وقتل أهلها إذ لم يكن من بيت ملك ومن يطمع في اتّساق الأمر له، فبلغ من ذلك مبلغا فسد به أمر الصّين إلى وقتنا هذا، ولم تزل تلك حال هذا النابغ الى أن كتب ملك الصين الى ملك التغزغز من بلاد الترك وبينهم مجاورة ومصاهرة ووجّه إليه رسلا يسأله كشف هذا الرجل عنه فأنفد ملك التغزغز ابنا له إلى هذا النابغ «1» في عدد كثير وجموع وافرة فأزاله بعد حروب متصلة ووقائع عظيمة، فزعم قوم انه قتل، وزعم آخرون انّه مات، وعاد ملك الصّين إلى بلده المعروف بخمدان وقد أخربه عليه وعلى سبيل ضعف في نفسه ونقص في أمواله وهلاك قوّاده وصناديد رجاله وكفاته، وغلب مع ذلك على كل ناحية متغلب منع من أموالها وتمسّك بما في يده منها، فدعت ملك الصّين الضرورة لقصور يده إلى قبول العفو منهم بإظهار الطاعة والدعاء له دون السمع والطاعة في الأموال، وما كان من الملوك ينفذ فيه، فصارت بلاد الصّين على سبيل ما جرت عليه أحوال الأكاسرة عند قتل الاسكندر لدارا «2» الكبير وقسّمته أرض فارس على ملوك الطوائف، وصار بعضهم يعضد بعضا للمغالبة بغير أذن الملك ولا أمره، فاذا أناخ القوىّ منهم على الضعيف تغلّب على بلاده واجتاح ما فيه وأكل ناسه كلهم، وذلك مباح لهم في شريعتهم لأنهم يتبايعون لحوم الناس في اسواقهم، وامتدت أيديهم مع ذلك الى ظلم من قصدهم من التجار.