الحسن، ملك المغرب الأقصى من بني مرين، وله الشفوف على سائر ملوكهم. وزحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان، فأخذ بمخنقها سنتين أو أزيد، وملكها عنوة، وقتل سلطانها أبا تاشفين، وذلك سنة سبع وثلاثين. وخف ما كان على الموحدين من إصر بني عبد الواد، واستقامت دولتهم. ثم هلك أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي يحيى بقسنطينة سنة أربعين، وخلف سبعة من الولد، كبيرهم أبو زيد عبد الرحمن، ثم أبو العباس أحمد، فولى الأمير أبا زيد مكان أبيه، في كفالة نبيل مولاهم. ثم توفي الأمير أبو زكرياء ببجاية سنة ست وأربعين، وخلف ثلاثة من الولد، كبيرهم أبو عبد الله محمد، وبعث السلطان أبو بكر ابنه الأمير أبا حفص عليها، فمال أهل بجاية إلى الأمير أبي عبد الله بن أبي زكرياء، وانحرفوا عن الأمير عمر وأخرجوه. وبادر السلطان فرقع هذا الخرق، بولاية أبي عبد الله عليهم كما طلبوه. ثم توفي السلطان أبو بكر منتصف سبع وأربعين، وزحف أبو الحسن إلى إفريقية فملكها، ونقل الأمراء من بجاية وقسنطينة إلى المغرب. وأقطع لهم هنالك، إلى أن كانت حادثة القيروان، وخلع السلطان أبو عنان أباه. وارتحل من تلمسان، إلى فاس، فنقل معه هؤلاء الأمراء، أهل بجاية وقسنطينة، وخلطهم بنفسه، وبالغ في تكرمتهم. ثم صرفهم إلى ثغورهم: الأمير أبا عبد الله أولاً، وإخوته من تلمسان، وأبا زيد وإخوته من فاس، ليستبدوا بثغورهم، ويخذلوا الناس عن السلطان أبي الحسن، فوصلوا إلى بلادهم، وملكوها بعد أن كان الفضل ابن السلطان أبي بكر قد استولى عليها من يد بني مرين، فانتزعوها منه. واستقر أبو عبد الله ببجاية، حتى إذا هلك السلطان أبو الحسن بجبال المصامدة،
وزحف أبو عنان إلى تلمسان سنة ثلاث وخمسين، فهزم ملوكها من بني عبد الواد، وأبادهم، ونزل المدية، وأطل على بجاية. وبادر الأمير أبو عبد الله للقائه، وشكا إليه ما يلقاه من زَبُون الجند والعرب، وقلة الجباية. وخرج له عن ثغر بجاية فملكها، وأنزل عماله بها. ونقل الأمير أبا عبد الله معه إلى المغرب، فلم يزل عنده في حفاية وكرامة. ولما قدمت على السلطان أبي عنان آخر خمس وخمسين واستخلصني، نبضت عروق السوابق بين سلفي وسلف الأمير أبي عبد الله، واستدعاني للصحابة فأسرعت، وكان السلطان أبو عنان شديد الغيرة من مثل ذلك. ثم