والأوطان. وبعد أن لم يذخر عنه كرامة رفيعة، ولم يحجب عنه وجه صنيعة، فولاه القيادة والسفارة، وأحله جليساً معتماً بالإشارة، وألبسه من الحظوة والتقريب أبهى الشارة، وجعل محله من حضرته مقصوداً بالمثل معنياً بالإشارة، ثم أصحبه تشييعاً يشهد بالضنانة بفراقه، ويجمع له بر الوجهة من جميع آفاقه، ويجعله بيده رتيمة خنصر، ووثيقة سامع أو مبصر، فمهما لوى أخدعه إلى هذه البلاد بعد قضاء وطره، وتمليه من نهمة سفره، أو نزع به حسن العهد وحنين الود، فصدر العناية به مشروح، وباب الرضا والقبول مفتوح، وما عهده من الحظوة والبر ممنوح. فما كان القصد في مثله من أمجاد الأولياء ليتحول، ولا الاعتقاد الكريم ليتبدل، ولا الأخير من الأحوال لينسخ الأول. على هذا فليطو ضميره، وليرد متى شاء نميره، ومن وقف عليه من القواد والأشياخ والخدام، براً وبحراً، على اختلاف الخطط والرتب، وتباين الأحوال والنسب، أن يعرفوا حق هذا الاعتقاد، في كل ما يحتاج إليه من تشييع ونزول، وإعانة وقبول، واعتناء موصول، إلى أن يكمل الغرض، ويؤدى من امتثال هذا الأمر الواجب المفترض، بحول الله وقوته.
وكتب في التاسع عشر من جمادى الأولى عام ستة وستين وسبع مائة.
وبعد التاريخ العلامة بخط السلطان، ونصها: صح هذا.
الرحلة من الأندلس إلى بجاية
وولاية الحجابة بها على الاستبداد
كانت بجاية ثغراً لإفريقية في دولة بني أبي حفص من الموحدين. ولما صار أمرهم للسلطان أي بكر بن يحيى منهم، واستقل بملك إفريقية، ولى في ثغر بجاية
ابنه الأمير أبا زكرياء، وفي ثغر قسنطينة ابنه الأمير عبد الله. وكان بنو عبد الواد ملوك تلمسان والمغرب الأوسط، ينازعونه في أعماله، ويُجَمِّرون العساكر على بجاية، ويجلبون على قسنطينة، إلى أن تمسك السلطان أبو بكر بذمة من السلطان أبي