المعارف. ثم دعته همته إلى التحلي بالعلم، فعكف في بيته على مدارسة القرآن، فحفظه، وقرأه بالسبع. ثم عكف على كتاب التسهيل في العربية، فحفظه ثم على مختصري ابن الحاجب في الفقه، والأصول، فحفظهما؛ ثم لزم الفقيه عمران المشدَّالي من تلاميذ أبي علي ناصر الدين وتفقه عليه، وبرز في العلوم، إلى حيث لم تلحق غايته. وبنى السلطان أبو تاشفين مدرسته بتلمسان، فقدمه للتدريس بها، يضاهي به أولاد الإمام. وتفقه عليه بتلمسان جماعة؛ كان من أوفرهم سهماً في العلوم أبو عبد الله المقري هذا.
ولما جاء شيخنا أبو عبد الله الآبلي إلى تلمسان، عند استيلاء السلطان أبي الحسن عليها، وكان أبو عبد الله السلاوي قد قتل يوم فتح تلمسان، قتله بعض أشياع السلطان، لذنب أسلفه في خدمة أخيه أبي علي بسجلماسة، قبل انتحاله العلم، وكان السلطان يعتده عليه، فقتل بباب المدرسة، فلزم أبو عبد الله المقري بعده مجلس شيخنا الآبلي، ومجالس ابني الإمام، واستبحر في العلوم وتفنن. ولما انتقض السلطان أبو عنان، سنة تسع وأربعين وخلع أباه، ندبه إلى كتاب البيعة، فكتبها وقرأه على الناس في يوم مشهود، وارتحل مع السلطان إلى فاس؛ فلما ملكها، عزل قاضيها الشيخ المعمر أبا عبد الله بن عبد الرزاق وولاه مكانه، فلم يزل قاضياً بها، إلى أن سخطه لبعض النزعات الملوكية، فعزله، وأدال منه بالفقيه أبي عبد الله الفشتالي آخر سنة ست وخمسين؛ ثم بعثه في سفارة إلى الأندلس، فامتنع من الرجوع. وقام السلطان لها في ركائبه، ونكر على صاحب الأندلس ابن الأحمر تمسكه به، وبعث إليه فيه يستقدمه، فلاذ منه (ابن الأحمر) بالشفاعة فيه، واقتضى له كتاب أمان بخط السلطان أبي عنان، وأوفده مع الجماعة من شيوخ العلم