برهان الدين بن مفلح: الحديث ليس بصحيح. واستدعى ما عندي في ذلك فقلت: الأمر كما قلتم من أنه غير صحيح، فقال السلطان تمر: فما الذي أصار الخلافة لبني العباس إلى هذا العهد في الإسلام؟ وشافهني بالقول، فقلت: أيدك الله! اختلف المسلمون من لدن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هل يجب على المسلمين ولاية رجل منهم يقوم بأمورهم في دينهم ودنياهم، أم لا يجب ذلك. فذهبت طائفة إلى أنه لا يجب، ومنهم الخوارج، وذهب الجماعة إلى وجوبه، واختلفوا في مستند ذلك الوجوب، فذهب الشيعة كلهم إلى حديث الوصية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك لعلي، واختلفوا في تنقلها عنه إلى عقبه إلى مذاهب كثيرة تشذ عن الحصر. وأجمع أهل السنة على إنكار هذه الوصية، وأن مستند الوجوب في ذلك إنما هو الاجتهاد، يعنون أن المسلمين يجتهدون في اختيار رجل من أهل الحق والفقه والعدل، يفوضون إليه النظر في أمورهم.
ولما تعددت فرق العلوية وانتقلت الوصية بزعمهم من بني الحنفية إلى بني العباس، أوصى بها أبو هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وبث دعاته بخراسان. وقام أبو مسلم بهذه الدعوة، فملك خراسان والعراق، ونزل شيعتهم الكوفة، واختاروا للأمر أبا العباس السفاح بن صاحب هذه الدعوة، ثم أرادوا أن تكون بيعته على إجماع من أهل السنة والشيعة، فكاتبوا كبار الأمة يومئذ، وأهل الحل والعقد، بالحجاز والعراق، يشاورونهم في أمره، فوقع اختيارهم كلهم على الرضى به، فبايع له شيعته بالكوفة بيعة إجماع وإصفاق. ثم
عهد بها إلى أخيه المنصور، وعهد بها المنصور إلى بنيه، فلما تزل متناقلة فيهم، إما بعهد أو باختيار أهل العصر، إلى أن كان المستعصم آخرهم ببغداد. فلما استولى عليها هولاكو وقتله، افترق قرابته، ولحق بعضهم بمصر، وهو أحمد الحاكم من عقب الراشد، فنصبه الظاهر بيبرس بمصر، بممالأة أهل الحل والعقد من الجند والفقهاء. وانتقل الأمر في بيته إلى هذا الذي بمصر، لا يعلم خلاف ذلك. فقال لهذا الرافع: قد سمعت مقال القضاة، وأهل الفتيا، وظهر أنه ليس لك حق تطلبه عندي. فانصرف راشداً.