مكالمة عند مغيب السلطان أحقدته. وجاشت بما كان في نفسه، فأغرى عليا المنصور بن السلطان بالتوثب على الملك، فارتاح لذلك وأجابه، وأصبح يوم ثورة المماليك بالعقبة، وقد جلس علياً مكفوله بباب الإسطبل، وعقد له الراية بالنداء على جلوسه بالتخت، وبينما هم في ذلك، صبحهم الخبر بوصول السلطان الأشرف إلى قبة النصر ليلتئذ، فطاروا إليه زرافات ووحدانا، فوجدوا أصحابه نياماً هنالك، وقد تسلل من بينهم هو ويلبغا الناصري من أكابر اليلبغاوية، فقطعوا رءوسهم جميعاً، ورجعوا بها تسيل دماً. ووجموا لفقدان الأشرف، وتابعوا النداء عليه، وإذا بامرأة قد دلتهم عليه في مكان عرفته، فتسابقوا إليه، وجاءوا به فقتلوه لوقته بخلع أكتافه، وانعقدت بيعة ابنه المنصور. وجاء طشتمر الدوادار من الغد بمن بقي بالعقبة من الحرم، ومخلف السلطان، واعتزم على قتالهم طمعاً في الاستبداد الذي
في نفسه، فدافعوه وغلبوه وحصل في قبضتهم، فخلعوا عليه بنيابة الشام، وصرفوه لذلك، وأقاموا في سلطانهم. وكان أينبك أميراً آخر من اليلبغاوية قد ساهم قرطاي في هذا الحادث، وأصهر إليه في بعض حرمه، فاستنام له قرطاي، وطمع هو في الاستيلاء. وكان قرطاي مواصلاً صبوحه بغبوقه، ويستغرق في ذلك، فركب في بعض أيامه، وأركب معه السلطان علياً، واحتاز الأمر من يد قرطاي، وصيره إلى صفد، واستقل بالدولة، ثم انتقض طشتمر بالشام مع سائر أمرائه، فخرج أينبك في العساكر، وسرح المقدمة مع جماعة من الأمراء، وكان منهم برقوق وبركة المستوليان عقب ذلك، وخرج هو والسلطان في الساقة، فلما انتهوا إلى بلبيس، ثار الأمراء الذين في المقدمة عليه، ورجع إليه أخوه منهزماً، فرجع إلى القلعة. ثم اختلف عليه الأمراء، وطالبوه بالحرب في قبة النصر، فسرح العساكر لذلك، فلما فصلوا فر هو هارباً، وقبض عليه وثقف بالإسكندرية.