رحله ابن خلدون (صفحة 195)

ولا تكترث من حاسديك فإنهم ... حصى والحصى لا يرتقي مرتقى البدر

ومن عامل الأقوام بالله مخلصاً ... له منهم نال الجزيل من الأجر

بقيت لربع الفضل تحمي ذماره ... وخار لك الرحمن في كل ما تجري

إيه سيدي رضي الله عنكم وأرضاكم، وأطنبتم في كتابكم في الثناء على السلطان الذي أنعم بالإبقاء، والمساعدة على الانفصال عن خطة القضاء، واستوهبتم الدعاء له ممن هنا من الأولياء، ولله دركم في التنبيه على الإرشاد إلى ذلكم، فالدعاء له من الواجب، إذ فيه استقامة الأمور، وصلاح الخاصة والجمهور، وعند ذلك

ارتفعت أصوات العلماء والصلحاء بهذا القطر له ولكم بجميل الدعاء. أجاب الله فيكم أحسنه وأجمله، وبلغ كل واحد منكم ما قصده وأمله. وأنتم أيضاً من أنتم من أهل العلم والجلالة، والفضل والأصالة، وقد بلغتم بهذه البلاد الغاية من التنويه، والحظ الشريف النبيه، لكن أراد الله سبحانه أن يكون لمحاسنكم في تلك البلاد المعظمة ظهور، وتحدث بعد الأمور أمور، وبكل اعتبار، فالزمان بكم - حيث كنتممباه، والمحامد مجموعة لكم جمع تناه. ولما وقف على مكتوبكم إلي مولانا السلطان أبو عبد الله، أطال الثناء على مقاصدكم، وتحقق صحيح ودادكم، وجميل اعتقادكم، وعمر مجلسه يومئذ بالثناء عليكم، والشكر لما لديكم.

ثم ختم الكتاب بالسلام من كاتبه علي بن عبد الله بن الحسن مؤرخاً بصفر تسعين. وفي طيه مدرجة بخطه، وقد قصر فيها عن الإجادة نصها:

سيدي رضي الله عنكم وأرضاكم، وأظفر يمناكم بنوائب مناكم.

أعتذر لكم عن الكتاب المدرج هذا طيه بغير خطي، فإني في الوقت بحال مرض من عيني، ولكم العافية الواقية، فيسعني سمحكم، وربما أن لديكم تشوقاً لما نزل في هذه المدة بالمغرب من الهرج حاطه الله، وأمن جميع بلاد المسلمين.

والموجب أن الحصة الموجهة لتلك البلاد في خدمة أميرهم الواثق، ظهر له ولوزيره ومن ساعده على رأيه إمساكها رهينة، وجعلهم في القيود إلى أن يقع الخروج لهم عن مدينة سبتة. وكان القائد على هذه الحصة العلج المسمى مهند، وصاحبه الفتى المدعو نصر الله. وكثر التردد في القضية، إلى أن أبرز القدر توجيه السلطان أبي العباس - تولاه الله - صحبة فرج بن رضوان بحصة ثانية، وكان ما كان، حسبما تلقيتم من الركبان، هذا ما وسع الوقت من الكلام. ثم دعا، وختم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015