رحله ابن خلدون (صفحة 194)

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله.

يا سيدي وواحدي وداً وحباً، ونجي الروح بعداً وقرباً. أبقاكم الله، وثوب سيادتكم سابغ، وقمر سعادتكم - كلما أفلت الأقمار - بازغ، أسلم بأتم السلام عليكم، وأقرر بعض ما لدي من الأشواق إليكم، من حضرة غرناطة - مهدها الله -، عن ذكر لكم يتضوع طيبه، وشكر لا يذوي - وإن طال الزمان - رطيبه، وقد كان بلغ ما

جرى من تأخيركم عن الولاية التي تقلدتم أمرها، وتحملتم مرها، فتمثلت بما قاله شيخنا أبو الحسن ابن الجياب، عند انفصال صاحبه الشريف أبي القاسم عن خطة القضاء:

لا مرحباً بالناشز الفارك ... إذ جهلت رفعة مقدارك

لو أنها قد أوتيت رشدها ... ما برحت تعشو إلى نارك

ثم تعرفت كيفية انفصالكم، وأنه كان عن رغبة من السلطان المؤيد هنالكم، فرددت - وقد توهمت مشاهدتكم - هذه الأبيات:

لك الله يا بدر السماحة والبشر ... لقد حزت في الأحكام منزلة الفخر

ولكنك استعفيت عنها تورعاً ... وتلك سبيل الصالحين كما تدري

جريت على نهج السلامة في الذي ... تخيرته أبشر بأمنك في الحشر

وحقق بأن العلم ولاك خطة ... من العز لا تنفك عنها مدى العمر

تزيد على مر الجديدين جدة ... وتسري النجوم الزاهرات ولا تسري

ومن لاحظ الأحوال وازن بينها ... ولم ير للدنيا الدنية من خطر

وأمسى لأنواع الولايات نابذاً ... فغير نكير أن تواجه بالنكر

فيهنيك يهنيك الذي أنت أهله ... من الزهد فيها والتوقي من الوزر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015