العلوم هنا وهناك، لا ينتمون إلى شيخ مشهور، ولا يعرف لهم كتاب في فن، قد اتخذوا الناس هزؤاً، وعقدوا المجالس مثلبة للأعراض، ومأبنة للحرم، فأرغمهم ذلك مني، وملأهم حسداً وحقداً علي، وخلوا إلى أهل جلدتهم من سكان الزوايا المنتحلين للعبادة، يشترون بها الجاه ليجيروا به على الله، وربما اضطر أهل الحقوق إلى تحكيمهم، فيحكمون بما يلقي الشيطان على ألسنتهم يترخصون به للإصلاح، لا يزعهم الدين عن التعرض لأحكام الله بالجهل، فقطعت الحبل في أيديهم، وأمضيت أحكام الله فيمن أجاروه، فلم يغنوا عنه من الله شيئاً، وأصبحت زواياهم مهجورة، وبئرهم التي يمتاحون منها معطلة. وانطلقوا يراطنون السفهاء في النيل من عرضي، وسوء الأحدوثة عني بمختلق الإفك، وقول الزور، يبثونه في الناس، ويدسون إلى السلطان التظلم مني فلا يصغي إليهم، وأنا في ذلك محتسب عند الله ما فنيت به من هذا الأمر، ومعرض فيه عن الجاهلين، وماض على سبيل سواء من الصرامة، وقوة الشكيمة، وتحري المعدلة، وخلاص الحقوق، والتنكب عن خطة الباطل متى دعيت إليها، وصلابة العود عن الجاه والأغراض متى غمزني لامسها، ولم يكن ذلك شأن من رافقته من القضاة، فنكروه علي، ودعوني إلى تبعهم فيما يصطلحون عليه من مرضاة الأكابر، ومراعاة الأعيان، والقضاء للجاه بالصور الظاهرة، أو دفع الخصوم إذا تعذرت، بناء على أن الحاكم لا يتعين عليه الحكم مع وجود غيره، وهم يعملون أن قد تمالأوا عليه.
وليت شعري! ما عذرهم في الصور الظاهرة، إذا علموا خلافها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك: من قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقضي له من النار.
فأبيت في ذلك كله إلا إعطاء العهدة حقها، والوفاء لها ولمن قلدنيها، فأصبح الجميع علي ألبا، ولمن ينادي بالتأفف مني عوناً، وفي النكير علي أمة، وأسمعوا الشهود الممنوعين أن قد قضيت فيهم بغير الحق، لاعتمادي على علمي في الجرح،