بجاههم، يدرعون به مما يتوقعونه من عتبهم، لتعرضهم لذلك بفعلاتهم، وقد يسلط بعض منهم قلمه على العقود لمحكمة، فيوجد السبيل إلى حلها بوجة فقهي، أو كتابي، ويبادر إلى ذلك متى دعا إليه داعي جاه أو منحة، وخصوصاً في الأوقاف التي جاوزت حدود النهاية في هذا المصر بكثرة عوالمه، فأصبحت خافية الشهرة، مجهولة الأعيان، عرضة للبطلان، باختلاف المذاهب المنصوبة للحكام بالبلد، فمن اختار فيها بيعاً أو تمليكاً شارطوه وأجابوه، مفتاتين فيه على الحكام الذين ضربوا دونه سد الحظر والمنع حماية عن التلاعب، وفشا في ذلك الضرر في الأوقاف، وطرق الغرر في العقود والأملاك.
فعاملت الله في حسم ذلك بما آسفهم علي وأحقدهم، ثم التفت إلى الفتيا بالمذهب، وكان الحكام منهم على جانب من الخبرة، لكثرة معارضتهم، وتلقينهم الخصوم، وفتياهم بعد نفوذ الحكم، وإذا فيهم أصاغر، بيناهم يتشبثون بأذيال الطلب والعدالة ولا يكادون، إذا بهم طفروا إلى مراتب الفتيا والتدريس، فاقتعدوها، وتناولوها بالجزاف، واحتازوها من غير مثرب ولا منتقد للأهلية ولا مرشح، إذ الكثرة فيهم بالغة، ومن كثرة الساكن مشتقة، وقلم الفتيا في هذا المصر طلق، وعنانها مرسل، يتجاذب كل الخصوم منه رسنا، ويتناول من حافته شقاً، يرم به الفلج على خصمه، ويستظهر به لإرغامه، فيعطيه المفتي من ذلك ملء رضاه، وكفاء أمنيته، متتبعاً إياه في شعاب الخلاف، فتتعارض الفتاوى وتتناقض، ويعظم الشغب إن وقعت بعد نفوذ الحكم، والخلاف في المذاهب كثير، والإنصاف متعذر، وأهلية المفتي أو شهرة الفتيا ليس تمييزها للعامي، فلا يكاد هذا المدد ينحسر، ولا الشغب ينقطع.
فصدعت في ذلك بالحق، وكبحت أعنة أهل الهوى والجهل، ورددتهم على أعقابهم. وكان فيهم ملتقطون سقطوا من المغرب، يشعوذون بمفترق من اصطلاحات