رحله ابن خلدون (صفحة 130)

بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة، وجلامده الملمومة وأحجاره، حتى فرعنا - بحول من لا حول ولا قوة إلا به - أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن البلاد والعباد أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن السهلة جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطة وحامية، وأزواداً نامية، وعملنا بيدنا في رم ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسابقة الرجال، واقتدينا بنبينا - صلوات الله عليه وسلامه - في الخندق لما حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول حديثة والارتجال، وما كان ليقر للإسلام مع تركه القرار، وقد كتب الجوار، وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار.

وقد كنا أغرينا من بالجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغه التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق، وألبست ذل الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن يسيغا الريق، فلا سبيل إلى الإلمام، لطيف المنام، إلا في الأحلام، ولا رسالة إلا في

أجنحة هدل الحمام، فيسر الله فتحها، وعجل منحها، بعد حرب انبتت فيها النحور، وتزينت الحور. وتبع هذه الأم بنات شهيرة، وبقع للزرع والضرع خيرة، فشفي الثغر من بؤسه، وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية الناجية بعد عبوسة.

ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة، على بعد المدى، وتغلغلها في بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الردى، مدينة تبنتها حمص فأوسعت الدار، وأغلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015