رحله ابن خلدون (صفحة 110)

بعضهم في الطاعة خفية، فارتاب بعضهم من بعض، فانفضوا ليلاً من الجبل، وأبو زيان معهم، ذاهبين إلى الصحراء، واستولى الوزير على الجبل بما فيه من مخلفهم. ولما بلغوا مأمنهم من القفر، نبذوا إلى أبي زيان عهده. فلحق بجبال غمرة، ووفد أعيانهم على السلطان عبد العزيز بتلمسان، وفاءوا إلى طاعته، فتقبل فيئتهم، وأعادهم إلى أوطانهم. وتقدم إلي الوزير - عن أمر السلطان - بالمسير مع أولاد يحيى بن علي بن سباع، للقبض على أبي زيان في جبل غمرة، وفاء بحق الطاعة، لأن غمرة من رعاياهم، فمضينا لذلك، نجده عندهم. وأخبرونا

أنه ارتحل عنهم إلى بلد وَارْكَلاَ من مدن الصحراء، فنزل على صاحبها أبي بكر بن سليمان، فانصرفنا من هنالك. ومضى أولاد يحيى بن علي إلى أحيائهم، ورجعت أنا إلى أهلي ببسكرة، وخاطبت السلطان بما وقع في ذلك، وأقمت منتظراً أوامره حتى جاءني استدعاؤه إلى حضرته، فارتحلت إليه.

فصلٌ

وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النظم والنثر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه، ولا يهتدى فيها بمثل هداه.

فمما كتب عن سلطانه إلى سلطان تونس جواباً عن كتاب وصل إليه مصحوباً بهدية من الخيل والرقيق، فراجعهم عنه بما نصه إلى آخره:

الخلافة التي ارتفع في عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلت مباني فخرها الشائع، وعزها الذائع، على ما أسسه الأسلاف ووجب لحقها الجازم، وفرضها اللازم الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والاكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسلاف، وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم، كما تأرجت الرياض الأفواف، لما زارها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015