رحله ابن خلدون (صفحة 105)

بانوا فمن كان باكياً يبكي ... هذي ركاب السرى بلا شك

فمن ظهور الرِّكاب معملة ... إلى بطون الربى إلى الفلك

تصدع الشمل مثلما انحدرت ... إلى صبوب جواهر السلك

من النوى قبل لم أزل حذراً ... هذى النوى جل مالك الملك

مولاي. كان الله لكم وتولى أمركم. أسلم عليكم سلام الوداع، وأدعو الله في تيسير اللقاء والاجتماع، بعد التفرق والانصداع، وأقرر لديكم أن الإنسان أسير الأقدار، مسلوب الاختيار، متقلب في حكم الخواطر والأفكار، وأن لا بد لكل أول من آخر، وأن التفرق لما لزم كل اثنين بموت أو في حياة، ولم يكن منه بد، كان خير أنواعه الواقعة بين الأحباب، ما وقع على الوجوه الجميلة البريئة من الشرور.

ويعلم مولاي حال عبده منذ وصل إليكم من المغرب بولدكم، ومقامه لديكم بحال قلق وقلعة، لولا تعليلكم، ووعدكم، وارتقاب اللطائف في تقليب قلبكم، وقطع مراحل الأيام حريصاً على استكمال سنكم، ونهوض ولدكم واضطلاعهم بأمركم، وتمكن هدنة وطنكم، وما تحمل في ذلك من ترك غرضه لغرضكم، وما استقر بيده من عهودكم، وأن العبد الآن لما تسبب لكم في الهدنة من بعد الظهور والعز، ونجح السعي، وتأتى لسنين كثيرة الصلح، ومن بعد أن لم يبق لكم بالأندلس مشغب من القرابة، وتحرك لمطالعة الثغور الغربية، وقرب من فرضة المجاز، واتصال الأرض ببلاد المشرق، طرقته الأفكار، وزعزعت صبره رياح الخواطر، وتذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015