تحت سورين عتيقين أنفق فيهما أموالا لا تحصى كثرة. ومن أعجب ما وفّقه الله تعالى اليه أنه جدّد ابواب الحرم كلّها.

وجدّد باب الكعبة المقدسة وغشاه فضة مذهبة، وهو الذي فيها الآن حسبما تقدم وصفه، وجلّل العتبة المباركة بلوح ذهب ابريز، وقد تقدم ذكره أيضا. فأخذ الباب القديم وأمر بأن يصنع له منه تابوت يدفن فيه، فلما حانت وفاته أوصى بأن يوضع في ذلك التابوت المبارك ويحج به ميتا. فسيق الى عرفات ووقف به على بعد وكشف عن التابوت، فلما افاض الناس افيض به وقضيت له المناسك كلها وطيف به طواف الافاضة، وكان الرجل، رحمه الله، لم يحجّ في حياته. ثم حمل الى مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلّم، وله فيها من الآثار الكريمة ما قدمنا ذكره، وكاد أشرافها يحملونه على رؤوسهم. وبنيت له روضة بإزاء روضة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وفتح فيها موضع يلاحظ الروضة المقدسة، وأبيح له ذلك على شدة الضنانة بمثله لسابق أفعاله الكريمة، ودفن في تلك الروضة، وأسعده الله بالجوار الكريم، وخصّه بالمواراة في تربة التقديس والتعظيم، والله لا يضيع أجر المحسنين، وسنذكر تاريخ وفاته اذا وقفنا عليه من التاريخ الثابت في روضته، ان شاء الله عزّ وجلّ، وهو ولي التيسير، لا رب غيره.

ولهذا الرجل، رحمه الله، من الآثار السنية والمفاخر العلية التي لم يسبقه اليها الأكابر الأجواد وسراة الأمجاد فيما سلف من الزمان ما يفوت الإحصاء ويستغرق الثناء ويستصحب طول الأيام من الألسنة الدعاء، وحسبك أنه اتسع اعتناؤه بإصلاح عامة طرق المسلمين بجهة المشرق من العراق الى الشام الى الحجاز، حسبما نذكره، واستنبط المياه، وبنى الجباب، واختط المنازل في المفازات، وأمر بعمارتها مأوى لأبناء السبيل وجميع المسافرين، وابتنى بالمدن المتصلة من العراق الى الشام فنادق عيّنها لنزول الفقراء أبناء السبيل الذين يضعف أحدهم عن تأدية الأكرية، وأجرى على قومة تلك الفنادق والمنازل ما يقوم بمعيشتهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015