من المسلمين والنصارى البلغريين رئيس المركب، لأنها سنة عندهم في كل من يموت في البحر، ولا سبيل لوارث الميت الى ميراثه. فطال عجبا من ذلك.
وفي سحر يوم الثلاثاء السادس من الشهر المؤرخ، والثالث عشر من نونبر، ظهرت لنا جبال في البحر، وقد اشتدت الريح الغربية، وتوالى اعصارها، وكانت تتقلب بالقبول والدبور. فألجأتنا الى أحد تلك الجبال، فأرسينا عنده.
وسألنا عن الموضع، فأعلمنا أنه من جزائر الرمانية. وهذه الجزائر تنيف على الثلاث مئة وخمسين جزيرة، وهي الى عمل صاحب القسطنطينية، والروم يحذرون أهلها كحذر المسلمين، لأنهم لا صلح بينهم، فأقمنا بذلك المرسى يوم الثلاثاء المذكور وصدر يوم الاربعاء بعده. ونزل من تلك الجزيرة قوم بايعوا أهل المركب بعض ساعة من النهار في الخبز واللحم بعد أمان أخذوه.
ثم أقلعنا يوم الأربعاء المذكور، وقد تم لنا على ظهر المركب ثمانية وعشرون يوما، وظهر لنا يوم الخميس بعده بر جزيرة أقريطش، وهذه الجزيرة أيضا لعمل صاحب القسطنطينية، وطولها ينيف على الثلاث مئة ميل، وقد تقدم ذكرها في سفرنا البحري الى الإسكندرية، فبقينا نجري بطولها وهي منّا على اليمين، والبحر في أثناء ذلك كله هائل، والريح لا توافق، ونحن ننتظر الفرج من الله عزّ وجل بصبر جميل، ونرتقب منه جل جلاله معهود التيسير والتسهيل بمنه ولطفه.
وفي يوم السبت العاشر لشعبان المذكور، والسابع عشر لنونبر، انقطع عنا بر الجزيرة المذكورة، ونحن نجري بريح شمالية موافقة، فذئرت وعصفت فطار لها المركب بجناحي شراعه، والبحر بها قد جن واستشرى لجاجه، وقذفت بالزبد أمواجه، فتخال غواربه المتموجة جبالا مثلجة، ومع تلك استشعرت النفوس الأنس، وغلب رجاؤها اليأس، وقد كنا مدة الستة وعشرون يوما المذكورة، التي لم يظهر لنا فيها بر، نرجم الظنون، ونغازل المنون، حذرا من نفاد الزاد والماء، والحصول بين المهلكين الجوع والظماء، فمن قائل يقول: