يخطب الخطيب يوم الوقفة، ثم يجمع بين الظهر والعصر. وعن يسار العلمين أيضا، في استقبال القبلة، وادي الأراك، وهو أراك أخضر يمتد في ذلك البسيط مع البصر امتدادا طويلا.
فتكامل جمع الناس بعرفات يوم الخميس وليلة الجمعة كلها. وفي نحو الثلث الباقي من ليلة الجمعة المذكورة وصل أمير الحاج العراقي فضرب أبنيته في البسيط الأفيح، مما يلي الجانب الأيمن من جبل الرحمة في استقبال القبلة.
والقبلة في عرفات هي الى مغرب الشمس، لأن الكعبة المقدسة في تلك الجهة منها. فأصبح يوم الجمعة المذكورة في عرفات جمع لا شبيه له الا الحشر، لكنه ان شاء الله تعالى حشر للثواب، مبشر بالرحمة والمغفرة يوم الحشر للحساب؛ زعم المحققون من الأشياخ المجاورين انهم لم يعاينوا قط في عرفات جمعا احفل منه، ولا أرى كان من عهد الرشيد، الذي هو آخر من حج من الخلفاء، جمع في الاسلام مثله، جعله الله جمعا مرحوما معصوما بعزّته.
فلما جمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة المذكور وقف الناس خاشعين باكين، والى الله عزّ وجل في الرحمة متضرعين، والتكبير قد علا، وضجيج الناس بالدعاء قد ارتفع فما رؤي يوم أكثر مدامع، ولا قلوبا خواشع، ولا اعناقا لهيبة الله خوانع خواضع من ذلك اليوم. فما زال الناس على تلك الحالة والشمس تلفح وجوههم الى أن سقط قرصها وتمكن وقت المغرب. وقد وصل أمير الحاج مع جملة من جنده الدارعين ووقفوا بمقربة من الصخرات عند المسجد الصغير المذكور. وأخذ السّرو اليمنيون مواقفهم بمنازلهم المعلومة لهم في جبال عرفات المتوارثة عن جدّ فجدّ من عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، لا تتعدى قبيلة على منزل أخرى.
وكان المجتمع منهم في هذا العام عددا لم يجتمع قط مثله. وكذلك وصل