المدهش لابن الجوزي فجعلت أقرأ فيه.
ثم أتي بمشروب لهم يمسى الدَّقْنُو "بفتح الدال المهمل وسكون القاف وضم النون وواو" وهو ماء فيه جريش الذرة مخلوط بيسير عسل أو لبن وهم يشربونه عوض الماء لأنهم إن شربوا الماء خالصاً أضرّ بهم وإن لم يجدوا الذرة خلطوه بالعسل أو اللبن، ثم أتي ببطيخ أخضر فأكلنا منه ودخل غلام خماسي فدعاه وقال لي: هذا ضيافتك واحفظه لئلا يفر، فأخذته وأردت الانصراف فقال: أقم حتى يأتي الطعام. وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية فكلمتني بالعربي. فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخاً بداره. فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت، فقال: إني لا أحب البكاء فتعال نمش إلى البحر يعني النيل وله على ساحله ديار فأتى بالفرس، فقال لي: اركب فقلت لا اركبه وأنت ماش فمشينا جميعاً ووصلنا إلى دياره على النيل وأتي الطعام فأكلنا وودعته وانصرفت.
ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن. ثم سرت إلى مدينة كَوْكَو، وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك، وبها الفقوس العناني الذي لا نظير له. وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع وكذلك أهل مالي. وأقمت بها نحو شهر. وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة وكان ظريفاً مزاحاً فاضلاً. وتوفي بها بعد خروجي عنها. وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي وهو ممن دخل اليمن، والفقيه محمد الفيلالي إمام مسجد البيضان.
ثم سافرت منها برسم تَكْدَّا في البر مع قافلة كبيرة للغدامسين. دليلهم ومقدمهم الحاج وُجّين "بضم الواو وتشديد الجيم المعقودة" ومعناه الذئب بلسان السودان. وكان لي جمل لركوبي وناقة لحمل الزاد فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة فأخذ الحاج وجين ما كان عليها وقسمه على أصحابه فتوزعوا حمله. وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلي فأبى أن يرفع من ذلك شيئاً كما فعل غيره. وعطش غلامي يوماً فطلبت منه الماء فلم يسمح به. ثم وصلنا إلى بلاد بَرْدامة وهي قبيلة من البربر "وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل وميم مفتوح وتاء تأنيث". ولا تسير القوافل إلا