المعتدين.

وأما فعله في معاونة أهل الأندلس على الجهاد ومحافظته على إمداد الثغور بالأموال والأقوات والسلاح وفته في عضد العدو بإعداد العدد وإظهار القوة فذلك أمر شهير، لم يغب علمه عن أهل المغرب والمشرق ولا سبق إليه أحد من الملوك.

قال ابن جزي: حسب المتشوف إلى علم ما عند مولانا أيده الله من سداد القطر إلى المسلمين ودفاع القوم الكافرين ما فعله في فداء مدينة طرابلس إفريقية. فإنها لما استولى العدو عليها ومد يد العدوان إليها، ورأى أيده الله أن بعث الجيوش إليها لا يتأتى لبعد الأقطار، كتب إلى خدامه ببلاد أفريقية أن يفدوها بالمال. ففديت بخمسين ألف دينار من الذهب العين. فلما بلغه خبر ذلك قال: الحمد لله الذي استرجعها من أيدي الكفار بهذا النذر اليسير. وأمر للعين ببعث ذلك العدد إلى إفريقية، وعادت المدينة إلى الإسلام على يده. ولم يخطر في الأوهام أن أحدا تكون عنده خمسة قناطير من الذهب نذراً يسيراً حتى جاء بها مولانا أيده الله مكرمة بعيدة ومآثرة فائقة، قل في الملوك أمثالها وعز عليهم مثالها. ومما شاع من أفعال مولانا أيده الله في الجهاد إنشاؤه الأجفان بجميع السواحل واستكثاره من عدد البحر وهذا في زمان الصلح والمهادنة إعداداً لأيام الغزاة. وأخذ بالعزم في قطع أطماع الكفار، وأكد ذلك بتوجهه أيده الله بنفسه إلى جبال جاناته في العام الفارط ليباشر قطع الخشب للإنشاء، ويظهر قدر ماله بذلك من الاعتناء، ويتولى بذاته أعمال الجهاد مترجياً ثواب الله تعالى، وموقنا بحسن الجزاء.

ومن أعظم حسناته أيده الله عمارة المسجد الجديد بالمدينة البيضاء دار ملكه العلي، وهو الذي امتاز بالحسن واتقان البناء وإشراق النور وبديع الترتيب، وعمارة المدرسة الكبرى بالموضع المعروف بالقصر، مما يجاور قصبة فاس، ولا نظير لها في المعمورة اتساعاً وحسناً وإبداعاً وكثرة ماء وحسن وضع. ولم أر في مدارس الشام ومصر والعراق وخراسان ما يشبهها. وعمارة الزاوية العظمى على غدير الحمص خارج المدينة البيضاء فلا مثل لها أيضاً في عجب وضعها وبديع صنعها. وأبدع زاوية رأيتها بالشرق زاوية سرياقص "سرياقس" التي بناها الملك الناصر. وهذه أبدع منها وأشد إحكاما وإتقاناً. والله سبحانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015