سواه.
ثم سافرت عن القدس ورافقني الواعظ المحدث شرف الدين سليمان المليانين وشيخ المغاربة بالقدس الصوفي الفاضل طلحة العبد الوادي. فوصلنا إلى مدينة الخليل عليه السلام وزرناه ومن معه من الأنبياء عليهم السلام. ثم سرنا إلى غزة فوجدنا معظمها خاليا من كثرة من مات بها في الوباء. وأخبرنا قاضيها أن العدول بها كانوا ثمانين، فبقي منهم الربع، وأن عدد الموتى بها انتهى إلى ألف ومائة في اليوم.
ثم سافرنا في البر فوصلت إلى دمياط ولقيت بها قطب الدين النفشواني وهو صائم الدهر، ورافقني منها إلى فارسكور وسمنود ثم إلى أبي صير "بكسر الصاد المهمل وياء وراء"، ونزلنا في زاوية لبعض المصريين بها.
وبينما نحن بتلك الزاوية إذ دخل علينا أحد الفقراء فسلم وعرضنا عليه الطعام فأبى وقال إنما قصدت زيارتكم ولم يزل ليلته تلك ساجداً وراكعاً، ثم صلينا الصبح واشتغلنا بالذكر والفقير بركن الزاوية فجاء الشيخ بالطعام ودعاه فلم يجبه. فمضى إليه فوجده ميتاً فصلينا عليه ودفناه رحمة الله عليه. ثم سافرت إلى المحلة الكبيرة ثم إلى نحرارية ثم إلى أبيار ثم إلى دمنهور ثم إلى الإسكندرية. فوجدت الوباء قد خف بها بعد أن بلغ عدد الموتى إلى ألف وثمانين في اليوم. ثم سافرنا إلى القاهرة وبلغني أن عدد الموتى أيام الوباء انتهى فيها إلى واحد وعشرين ألفاً في اليوم. ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا، رحمهم الله تعالى.
وكان ملك ديار مصر في هذا العهد الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وبعد ذلك خلع عن الملك وولي أخوه الملك الصالح. ولما وصلت القاهرة وجدت قاضي القضاة عز الدين بن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة قد توجه إلى مكة في ركب عظيم يسمونه الرجبي لسفرهم في شهر رجب, وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا إلى عقبة أيلة فارتفع عنهم. ثم سافرت من القاهرة إلى بلاد الصعيد وقد تقدم ذكرها، إلى عيذاب. وركبت منها البحر فوصلت إلى جدة. ثم سافرت منها إلى مكة شرفها الله تعالى وكرمها فوصلتها في الثاني والعشرين لشعبان سنة تسع