بالصيني وأمر له الأمير بشيء.
ثم أنه أخذ أعضاء الصبي فألصق بعضها ببعض وَرَكَلَهُ برجله فقام سوياً فعجبت منه. وأصابني خقفان القلب كمثل ما كان أصابني عند ملك الهند حين رأيت مثل ذلك فسقوني دواء أذهب عني ما وجدت. وكان القاضي فخر الدين إلى جانبي، فقال لي: والله ما كان من صعود ولا نزول ولا قطع عضو وإنما شعوذة. وفي غد تلك الليلة دخلنا من باب المدينة الخامسة وهي من أكبر المدن يسكنها عامة الناس وأسواقها حسان وبها الحذاق بالصنائع وبها تصنع الثياب الخنساوية. ومن عجيب ما يصنعون بها أطباقاً يسمونها الدست، وهي من القصب وقد ألصقت قطعة أبدع إلصاق ودهنت بصبغ أحمر مشرق وتكون هذه الأطباق عشرة واحداً في جوف آخر لرقتها تظهر لرائيها كأنها طبق واحد. ويصنعون غطاء يغطى جميعها ويصنعون من هذا القصب صحافاً. ومن عجائبها أن تقع من العلو فلا تنكسر ويجعل فيها الطعام السخن فلا يتغير صباغها ولا يحول. وتجلب من هنالك إلى الهند وخراسان وسواها.
ولما دخلنا هذه المدينة بتنا ليلة في ضيافة أميرها. وبالغد دخلنا من باب يسمى كشتي وانان إلى المدينة السادسة. ويسكنها البحرية والصيادون والجلافطة والنجارون، ويدعون دودكاران "درودكران" والأصباهية وهم الرماة، والبيادة وهم الرجالة، وجميعهم عبيد السلطان. ولا يسكن معهم سواهم وعددهم كثير. وهذه المدينة على ساحل النهر الأعظم بتنا بها ليلة في ضيافة أميرها وجهز لنا الأمير قُرْطَي مركبا بما يحتاج إليه من زان وسواه وبعث معنا أصحابه برسم التضييف.
وسافرنا من هذه المدينة وهي آخر أعمال الصين ودخلنا إلى بلاد الخطا "بكسر الخاء المعجم وطاء مهمل"، وهي أحسن بلاد الدنيا عمارة. ولايكون في جميعها موضع غير معمور فإنه أن بقي موضع غير معمور طلب أهله أو من يواليهم بخراجه. والبساتين والقرى والمزارع منتظمة بجانبي هذا النهر من مدينة الخنسا إلى مدينة خان بالق وذلك مسيرة أربعة وستين يوماً. وليس بها أحد من المسلمين إلا من كان خاطراً غير مقيم، لأنها ليست بدار مقام وليس بها مدينة مجتمعة إنما هي قرى وبسائط فيها الزرع والفواكه والسكر ولم أر في الدنيا