وسافرت من سدكاوان بقصد جبال كَامَرو، وهي "بفتح الكاف والميم وضم الراء" وبينها وبين سدكاوان مسيرة شهر. وهي جبال متسعة متصلة بالصين وتتصل أيضا ببلاد التبت حيث غزلان المسك. وأهل هذا الجبل يشبهون الترك ولهم قوة على الخدمة. والغلام منهم يساوي أضعاف ما يساويه الغلام من غيرهم وهم مشهورون بمعاناة السحر والاشتغال به. وكان قصدي بالمسير إلى هذه الجبال لقاء ولي من الأولياء بها وهو الشيخ جلال الدين التبريزي. وكان الشيخ من كبار الأولياء وأفراد الرجال له الكرامات الشهيرة والمآثر العظيمة وهو من المعمرين، أخبرني رحمه الله أنه أدرك الخليفة المستعصم بالله العباسي ببغداد وكان بها حين قتله، وأخبرني أصحابه بعد هذه المدة أنه مات وهو ابن مائة وخمسين، وأنه كان له نحو أربعين سنة يسرد الصوم ولا يفطر إلا بعد مواصلة عشر، وكانت له بقرة يفطر على حليبها ويقوم الليل كله وكان نحيف الجسم طوالاً خفيف العارضين. وعلى يديه أسلم أهل تلك الجبال، ولذلك أقام بينهم.

وقد أخبرني بعض أصحابه أنه استدعاهم قبل موته بيوم واحد وأوصاهم بتقوى الله وقال لهم إني أسافر عنكم غداً إن شاء الله وخليفتي عليكم الله الذي لا إله إلا هو، فلما صلى الظهر من الغد قبضه الله في آخر سجدة منها ووجدوا في جانب الغار الذي كان يسكنه قبراً محفوراً عليه الكفن والحنوط فغلسوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه به رحمه الله تعالى.

ولما قصدت زيارة هذا الشيخ لقيني أربعة من أصحابه على مسيرة يومين من موضع سكناه، فأخبروني أن الشيخ قال للفقراء الذين معه: قد جاءكم سائح من المغرب فاستقبلوه، وأنهم أتوا لذلك بأمرالشيخ. ولم يكن عنده علم من أمري وإنما كوشف به وسرت معهم إلى الشيخ فوصلت زاويته خارج الغار ولا عمارة عندها. وأهل تلك البلاد من مسلم وكافر يقصدون زيارته ويأتون بالهدايا والتحف فيأكل منها الفقراء والواردون. وأما الشيخ فقد اقتصر على بقرة يفطر على حليبها بعد عشر كما قدمناه. ولما دخلت عليه قام إلي وعانقني وسألني عن بلادي وأسفاري، فأخبرته. فقال لي: أنت مسافر العرب. فقال له من حضر من أصحابه والعجم: يا سيدنا. فقال: والعجم، فأكرموه. فاحتملوني إلى الزاوية وأضافوني ثلاثة أيام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015