الجون فلم تغرق. فعلم أنها كفتار ولو لم تطف على الماء لم تكن بكفتار. فأمر بإحراقها بالنار. وأتى أهل البلد رجالاً ونساءً فأخذوا رمادها. وزعموا أنه من تبخّر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار.

وقد بعث إلي السلطان يوماً وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من هؤلاء الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف ويغطون رؤوسهم لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس أباطهم فأمرني بالجلوس فجلست. فقال لهما: إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ما لم يره. فقالا: نعم. فتربع أحدهما ثم ارتفع عن الأرض حتى صار في الهواء فوقنا متربعاً. فعجبت منه وأدركني الوهم فوقعت إلى الأرض فأمر السلطان أن أسقى دواءا عنده فأفقت وقعدت وهو على حاله متربع فأخذ صاحبه نعلاً له من شكارة كانت معه فضرب بها الأرض كالمغتاظ فصعدت إلى أن علت فوق عنق المتربع وجعلت تضرب في عنقه وهو ينزل قليلاً قليلاً حتى جلس معنا. فقال السلطان: إن المتربع هو تلميذ صاحب النعل. ثم قال: لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن يأتوا بأعظم مما رأيت فانصرفت عنه وأصابني الخفقان ومرضت حتى أمر لي بشربة اذهبت ذلك عني.

ولنعد لما كنا بسبيله فنقول: سافرنا من مدينة برون إلى منزل أمواري. ثم منزل كجرا، وبه حوض عظيم طوله نحو ميل وعليه الكنائس فيها الأصنام قد مثل بها المسلمون وفي وسطه ثلاث قباب من الحجارة الحمر على ثلاث طباق وعلى أركانه الأبعة أربع قباب ويسكن هنالك جماعة من الجوكية وقد لبدوا شعورهم وطالت حتى صارت في طولهم وغلبت عليهم صفرة الألوان من الرياضة وكثير من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو جذام يأوي إليه مدة طويلة فيبرأ بإذن الله تعالى. وأول ما رأيت هذه الطائفة بمحلة السلطان طرمشيرين ملك تركستان وكانوا نحو خمسين فحفر لهم غار تحت الأرض وكانوا مقيمين به لا يخرجون إلا لقضاء حاجة ولهم شبه القرن1 يضربونه أول النهار وآخره وبعد العتمة وشأنهم كله عجب. ومنهم الرجل الذي صنع للسلطان غياث الدين الدامغاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015