الجام، بالغار الذي احتفره خارج دهلي، وكان قصدي رؤية ذلك الغار فلما أخذه السلطان سأل أولاده عمن كان يزوره فذكروا أناساً أنا من جملتهم فأمر السلطان أربعة من عبيده بملازمتي بالمشور. وعادته أنه متى فعل ذلك مع أحد قلما يتخلص. فكان أول يوم من ملازمتهم لي يوم الجمعة فألهمني الله تعالى إلى تلاوة قوله {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 1. فقرأتها ذلك اليوم ثلاثة وثلاثين ألف مرة وبت بالمشور وواصلت إلى خسمة أيام في كل يومٍ منها أختم القرآن وأفطر على الماء خاصة ثم أفطرت بعد خمس وواصلت أربعاً وتخلصت بعد قتل الشيخ، والحمد لله تعالى.
ولما كان بعد مدة انقبضت عن الخدمة ولازمت الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الخاشع الورع فريد الدهر ووحيد العصر كمال الدين عبد الله الغاري وكان من الأولياء وله كرامات كثيرة قد ذكرت منها ما شاهدته عند ذكر اسمه وانقطعت إلى خدمة هذا الشيخ ووهبت ما عندي للفقراء والمساكين وكان الشيخ يواصل عشرة أيام وربما واصل عشرين فكنت أحب أن أواصل فكان ينهاني ويأمرني بالرفق على نفسي في العبادة ويقول لي أن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقي معي فخرجت عن جميع ما عندي من قليل وكثير وأعطيت ثياب ظهري لفقير ولبست ثيابه ولزمت هذا الشيخ خمسة أشهر والسلطان إذ ذاك غائب ببلاد السند.
ولما بلغ السلطان خبر خروجي عن الدنيا استدعاني وهو يومئذ بسيوستان، فدخلت عليه في زي الفقراء فكلمني أحسن كلام وألطفه وأراد مني الرجوع إلى الخدمة فأبيت وطلبت منه الإذن في السفر إلى الحجاز فأذن لي فيه وانصرفت عنه ونزلت بزاوية تعرف بالنسبة إلى الملك بشير وذلك في أواخر جمادى الثانية سنة ثنتين وأربعين فاعتكفت بها شهر رجب وعشرة من شعبان وانتهيت إلى مواصلة خمسة أيام وأفطرت بعدها على قليل أرز دون إدام. وكنت أقرأ القرآن كل يوم وأتهجد بما شاء الله وكنت إذا أكلت الطعام آذاني فإذا طرحته وجدت الراحة وأقمت كذلك أربعين يوماً ثم بعث عني ثانية