أجرى الله الصالحات على يدي من أجراه، وتقبّل أعماله التي قدّمها لأخراه بمنّه ويمنه.
ولما تخلصت الزاوية التي هي شمس والزوايا كواكب، وتم ذلك المصنع الذي هو بحر والمصانع أنهار ومذانب. أمر مولانا أيّده الله بكتب ظهير كريم بتعيين مرتبات للقائمين هنالك بالوظائف، وجرايات للمتولين لاشغالها المرضية السالف والخالف، وأن يرتب هنالك جملة من الفقراء الصوفيّة أولي الأسرار القلبية، والأنوار القدسيّة، ليقيموا هنالك لإقامة الذكر، ملعنين مع- شيخهم- بالحمد لله والشكر، عامرين المجالس التي تحف بها ملائكة الرحمن. وتتنزّل عليها الرحمة في كل الأحيان، سالكين مسالك أهل الطريق، دارجين على مقامات أهل التحقيق. مكرمين للضياف، موضحين لهم سبل الائتلاف. جامعين لهم على مركز التقوى، معلقين آمالهم بالأسباب التي لا تزال تقوى.
وكذلك تعيّنت الجرايات لجملة من الخدم المتزوجات لأمثالهن عددا من العبيد المجتمعين في قبضة الرقّ السعيد المختارين للتحبيس على ذلك الموضع الذي هو أبدع من القصر المشيد، ليقوموا بتنظيف تلك الديار، وخدمة الزوّار، وعمل الأطعمة العميمة الإيثار.
وعيّنت للقبّة السعيدة وسائر البيوت فرش حسنة النعوت، من الطنافس والقطف، والزرابي واللحف.
وصدرت بخطي تلك الظهائر الكريمة، والمراسم الشريفة. واستقر الحال على ما ترضاه الإمامة المنيبة والخلافة المنيفة. ونجحت الأمور، وثلجت برؤية الصدور الصدور.
وزادت الأنوار، وتوالت الأذكار، ورقت شمائل الأسرار. وهبّت الصبا والشمائل بالاستبشار.
فهي زاوية سعيدة السعداء إلّا أنها في الغرب، ورياض ربيع إلّا أنه نابت منها بالقرب.
فصل
ومن جملة من سكن هذه الزاوية المباركة من الواردين عليها، والصلحاء القاصدين إليها، ولي من الأولياء أقام هنالك نحو نصف عام صامتا لا يتكلّم، صائما الدهر يتحدّث ويتألّم. مقبلا على العبادة، طالبا كيمياء السعادة. لا يلتفت إلى مخلوق، ولا يفتر عن أداء ما لله عليه من حقوق.
إلى أن اعتراه مرض برح به، ووصل سبب التألّم بسببه. فعند ذلك تكلّم بما خفّ، ومد للمصافحة الكف. وصرف وجهه إلى رؤية القاصد. وغدا ألمه موصولا، فاحتاج إلى العائد.