والعين شديدة الارتباط بالقلب تظهر ما فيه، فتقوى مادة النور في القلب ويغيب صاحبه بما في قلبه عن أحكام حسه. بل وعن أحكام العلم فينتقل من أحكام العلم إلى أحكام العيان.
وسر المسألة: أن أحكام الطبيعة والنفس شيء، وأحكام القلب شيء، وأحكام الروح شيء، وأنوار العبادات شيء، وأنوار استيلاء معاني الصفات والأسماء على القلب شيء، وأنوار الذات المقدسة شيء وراء ذلك كله.
فهذا الباب يغلط فيه رجلان، أحدهما: غليظ الحجاب، كثيف الطبع والآخر: قليل العلم، يلتبس ما في ذهنه بما في الخارج، ونور المعاملات بنور رب الأرض والسموات {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} "1.
وقال أيضًا: "والرب - تبارك وتعالى - وراء ذلك كله، منزه مقدس عن اطلاع البشر على ذاته، أو أنوار ذاته، أو صفاته، أو أنوار صفاته. وإنما هي الشواهد التي تقوم بقلب العبد، كما يقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما"2.
وقال أيضًا: "فإن نور الجلال في القلب ليس هو نور ذي الجلال في الخارج. فإن ذلك لا تقوم له السموات والأرض؛ ولو ظهر للوجود لتدكدك، لكنه شاهد دال على ذلك، كما أن المثل الأعلى شاهد دال على الذات. والحق وراء ذلك كله، منزه عن حلول واتحاد، وممازجة لخلقه؛ وإنما تلك رقائق وشواهد تقوم بقلب العارف، تدل على قرب الألطاف منه في عالم الغيب حيث يراها، وإذا فني فإنما يفنى بحال نفسه لا بالله ولا فيه، وإذا بقي فإنما يبقى بحاله هو