وقال ابن القيم: "ومن ظنَّ من القوم أن كشف العين ظهور الذات المقدسة لعيانه حقيقة فقد غلط أقبح الغلط. وأحسن أحواله: أن يكون صادقًا ملبوسًا عليه. فإن هذا لم يقع في الدنيا لبشر قط، وقد منع منه كليم الرحمن صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلف السلف والخلف: هل حصل هذا لسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه؟ فالأكثرون على أنه لم ير الله سبحانه، وحكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا من الصحابة. فمن ادعى كشف العيان البصري عن الحقيقة الإلهية فقد وهم وأخطأ، وإن قال: إنما هو كشف العيان القلبي، بحيث يصير الرب سبحانه كأنه مرئي للعبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أن تعبد الله كأنك تراه" فهذا حق، وهو قوة يقين، ومزيد علم فقط.

نعم، قد يظهر له نور عظيم، فيتوهم أن ذلك نور الحقيقة الإلهية، وأنها قد تجلت له، وذلك غلط أيضاً، فإن نور الرب – تعالى – لا يقوم له شيء، ولما ظهر للجبل منه أدنى شيء ساخ وتدكدك، وقال ابن عباس في قوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قال: "ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى به لم يقم له شيء".

وهذا النور الذي يظهر للصادق: هو نور الإيمان الذي أخبر الله عنه في قوله {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} قال أبي بن كعب: "مثل نوره في قلب المؤمن" فهذا نور يضاف إلى الرب، ويقال هو نور الله كما أضافه الله - سبحانه - إلى نفسه، والمراد: نور الإيمان الذي جعله الله له خلقًا وتكوينًا كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فهذا النور إذا تمكن من القلب، وأشرق فيه: فاض على الجوارح. فيرى أثره في الوجه والعين، ويظهر في القول والعمل. وقد يقوى حتى يشاهده صاحبه عياناً؛ وذلك لاستيلاء أحكام القلب عليه، وغيبة أحكام النفس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015