تتكلم في العزاء فذكروها وإنها من الصلحاء، فأتوا في طلبها فتبرأت من ذلك لعدم خبرتها بما يليق بذلك الحال، فألزموها وأخذوها مكرهة وكانت تحفظ كثيراً من الخطب النباتية، قالت: وكنت أسأل الله تعالى في الطريق أن لا يفضحني في ذلك المحفل وأنا أرجف فرقاً من ذلك.
قالت: فلما حضرت وصعدت المنبر سرّي عني، فقرأت شيئاً من القرآن وخطبت بخطبة الموت التي أولها: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار وهي من طنانات الخطب. فاتفق في ذلك المجلس من البكاء والوجد والحال ما لم يتفق في غيره، واشتهرت تسميتها بالعالمة، وصار لها بذلك لياذ ببيت العادل وحصلت منهم دنيا طائلة.
وكان شهاب الدين المذكور من العلماء الأعيان وعلى خاطره من الشعر والحكايات وأخبار الناس وأحوال السلف وأهل الطريق شيء كثير، وكان يستحضر الأحياء ونهاية المطلب لإمام الحرم، لا يكاد يطالع في الفقه سوى ذلك، وكان قد اشتهر اختصاصه بمعرفة الوسيط، فقال بعض الفضلاء: لم لم تعرج على طريق العراق؟ فاختصر المهذب في مدة يسيرة في مجلد واحد بعبارة سلسة فصيحة وافية بالمقصود، وزاد على الأصل فوائد جليلة، وقيد ما أهمله المصنف، ونازعه في تعليله في مواضع عديدة، وهو من نفائس الكتب. وكان رحمه الله ناقص الحظ من الدنيا ومناصبها، فإنه أقام ببعلبك مدة يكتب الشروط، وهو كاتب الحكم لقاضيها القاضي صدر الدين عبد الرحيم رحمه الله ومقيد عنده بالمدرسة النورية، ثم ولي صرخد، ولم يكن من مناصبه،