بدمشق أقام بها سنين. منقطعاً عن الناس، لا يتردد إلى باب أحد ولا يجتمع إلا بمن يأخذ عنه شيئاً من العلم تعوضاً عن العريض للولايات، ثم طلب لولاية الحكم بمدينة الخليل عليه السلام، فأقام مديدة. وطلب الديار المصرية واجتمع بالوزير بهاء الدين - رحمه الله - ورغبه في المقام بمصر، وذكره للملك الظاهر - رحمه الله، فوافق على أن يولي بمصر ما يقوم به.
قال: فكرهته لما فيه من تركي مجاورة الخليل عليه الصلاة والسلام وإقبالي على الدنيا وأهلها. وقلت: أتشوق إلى الخليل صلى الله عليه وسلم وأهله:
أترى أعبش أرى العريش وشامه ... فبمصر قد سئم المحب مقامه
أم هل تبلّغ عنه أنفاس الصبا ... يوماً إلى أهل الخليل سلامه
يا سادة خلفت قلبي عندهم ... هل يحفظون عهوده وذمامه
أسعرتم نار الغرام بمهجتي ... وسلبتم طرفي الكئيب منامه
إن لم يجد مطر على مغناكم ... أغناكم دمعي ويقوم مقامه
يا هل يعيد الله أيام الحمى ... من قبل أن يلقى المحب حمامه
فاشتهرت الأبيات وبلغت الصاحب بهاء الدين، فأخذ في تجهيزه وأعاده إلى الخليل عليه السلام، فأقام بها إلى أن توفي ليلة الجمعة سابع وعشرين جمادى الأولى هذه السنة - رحمه الله تعالى - ودفن بجبل حرى بالقرب من البلد، ومولده سنة ست مائة، وكان يعرف بابن العالمة، فإن أباه توفي وهو صغير، فربّته والدته وهذّبته، وكان سبب تسميتها بالعالمة: أن الملك العادل الكبير لما توفي في سنة خمس عشرة وست مائة نظروا وامرأة