فبالغ في الإحسان إلى الخاص والعام، والسعي في حقن الدماء وحفظ الأموال لم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدنيا مع فقره وكثرة عائلته، ولا استضاف في زمن ولايته مدرسة ولا غيرها، بل اقتصر على ما كان مباشره من تدريس العادلية الكبيرة إلى حين سفره إلى حلب، وجرى عليه تعصب كثير ونسب إليه أشياء برأه الله منها، ونزهه عنها، فعصمه الله ممن أراد ضرره. وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الديار المصرية، فتوجه إليها على ما تقدم شرحه، ولم يزل بها معززاً مكرماً إلى حين وفاته رحمه الله تعالى ورضي عنه. فلقد كان من حسنات الدهر. وصل إلى دمشق في سادس عشرين ربيع الأول، ومنه قضاء ماردين وميافارقين، ونظر جميع الأوقاف والجامع، وكان القاضي قبله صدر الدين بن سنى الدولة في سنة ثلاث وأربعين، وكان كمال الدين ينوب عنه بدمشق.
أنشده بهاء الدين محمد بن الدجاجية قوله فيه بديهاً بمجلس الحكم بالعادلية أيام مباشرته الحكم بها، خلافة عن قاضي القضاة صدر الدين رحمه الله تعالى يقول:
يا من شرفت بفضله تفليس ... قد سار بحسن العدل عنك العيس
ما للعمرين نالت غيرك يا ... من زين به القضاء والتدريس
عمر بن الياس بن العنطوري، كان رجلاً صالحاً، كثير العبادة وقيام