من عقله وفضله وصحة ذهنه أن يقدم على خشب ويركب متن هذا البحر ويأتي إلى هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام ويعتقد أنه يحصل له تملكها وفيما فعل غاية التغير بنفسه وأهل ملته فضحك ولم يحر جواباً فقلت له قد ذهب بعض فقهاء شريعتنا أن من ركب البحر مرة بعد أخرى مغررا بنفسه وماله أنه لا يقبل شهادته فضحك وقال لقد صدق هذا القائل وما قصر فيما حكم به.
ولما وقع الاتفاق على تسليم دمياط أرسل ريدا فرنس إلى من بها من الفرنج يأمرهم بتسليمها إلى المسلمين فأجابوا بعد امتناع ومراجعات بينه وبينهم ودخل السنجق السلطاني دمياط يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر سنة ثمان وأربعين ورفع على سورها وأعلن بها بكلمة الإسلام، وأفرج عن ريدا فرنس وانتقل هو وأصحابه إلى الجانب الغربي ثم ركب البحر غد هذا اليوم وأقلع هو وأصحابه إلى عكا وأقام بالساحر مدة وعمر قيسارية ثم رجع إلى بلاده، وكانت هذه النصرة أعظم من النصرة الأولى التي كانت في الأيام الكاملية لكثرة من قتل منهم وأسر في هذه المرة لله الحمد والمنة.
وإذ قد جرى ذكر الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ فلا بأس بالتنبيه عليه كان رحمه الله أميراً كبيراً جليل المقدار عالي الهمة فاضلاً عالماً متأدباً جواداً سمحاً ممدحاً خليقاً بالملك لما فيه من الأوصاف الجميلة التي قل مشاركه فيها وكان كريماً إلى العامة كبير النفس شجاعاً