جفل الناس من التتر في أول هذه السنة فتوجه إلى قلعة الصبيبة صحبة الأمير ناصر الدين التبنيني رحمه الله فلما سلمت إلى التتر دخل دمشق وأقام بها إلى أن انقضت دولة التتر وسأل العود إلى بعلبك فأعيد إليها فتوجه نحوها وهو متمرض فأقام بها أياماً وتوفي إلى رحمة الله تعالى في ذي القعدة ودفن في مقابر باب سطحاً ظاهر باب دمشق من مدينة بعلبك هو في عشر الثمانين وكان كريم الأخلاق حسن العشرة لطيف المحاضرة على ذهنه من الأشعار والحكايات والنوادر شيء كثير وكان شديداً في أحكامه مشكور السيرة في ولاياته متفننا في فضائله رحمه الله وكان يزعم أنه من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه واللبن قربة بين القدس ونابلس وأنشدني من نظمه أشعاراً كثيرة لم يعلق بذهني الآن منها شيء وسألت ولده معين الدين عن شيء من شعره فكتب لي هذه القطعة:
سل سائل العبرات في الأطلال ... كم قد خلوت بها بذات الخال
وجنيت باللحظات من وجناتها ... ما غض منه الغض من عذالي
وهممت ارتشف اللمى فترنحت ... فحمت جنى المعسول بالعسال
لو لم تكن مثل الغزالة لم تكن ... بمنى لها عني نفور غزال
صدت ولولاها تصدت لي لما ... وصل الغرام حبالها بحبالي
وبروض خديها تنعم ناظري ... ولنار وجنتها فؤادي صالي
فاعجب لجذوة خدها ولمائه ... ضدان مجتمعان من صلصال