قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي. مولده سنة أربعين وست مائة، وتوفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي الحجة، ودفن بتربتهم المعروفة بسفح قاسيون، كان إماماً عالماً فاضلاً محجاجاً، مناظراً في سائر العلوم الإسلامية، لم يكن له في وقته نظير مع صغر سنه، جمع الله تعالى له في صغر السن حسن الشكل وشرف البيت والفضيلة التي لم تكن في غيره في زمانه ما كان عليه من اللطافة في المحاضرات، وإيراد الأشعار الفائقة الكثيرة من أشعار العرب، وأشعار المتأخرين، والحكايات الغريبة، وإذا أنشد أحد بحضرته بيتاً يستشهد به على شيء من المسائل اللغوية، أنشد هذه القصيدة بكاملها بأحسن إيراد، وكمل ذلك بمكارم الأخلاق، وكرم النفس وطلاقة الوجه، وحسن المحاضرة، وكثرة الديانة، وكان مدرساً بمدارس والده المشهورة، وكان قيماً بدروسها حفظاً، ومناظرة، وبحثاً على اختلاف علومها، وكان كثير الاشتغال لم يتفرغ لحفظ الدروس إلا في طريق الميدانية عند عبوره البلد، يطالع كل درس مرتين أو مرة وهو راكب فتعلق بذهنه، ويورده آخر إيراد، وهذا لم يعهد لغيره، وكان مقصوداً بالفتاوي من سائر الأقطار، وترجح وتفنن بالدليل القاطع، ويقوي بعض الأوجه الضعيفة في المذهب ويفتي بها، ويسأل من يناظره فيها، وكان فقهاء البلد ومشايخه في سائر العلوم فقهاء عنده في مدارسه، ولا يقدر أحد على مجازاته في بحوثه، وكان فاق رجال زمانه في العلوم العقلية، فإنها أتقنها على القاضي الإمام كمال الدين عمر التفليسي لما كان بمصر عند والده، وقال