ذيل مراه الزمان (صفحة 1648)

ذات تسبيح وتحميد، وقراءة ذات ترتيل وتجويد، يتقربون إلى الله تعالى في كلامه بالترتيل، ويجازون في تنزيهه بالتسبيح والتهليل، وكانت ليلة معتدلة هواءها بالأنوار، أرجاءها قد أزهرت مصابيحها ونجومها، واعتدل حتى طاب نسيمها، ولو لم يكن فيهم إلا من هو لنفسه ناصح، ولم يرتفع لهم في تلك الليلة إلا عمل من الله صالح، فلما ختموا الكتاب العزيز، ولصدورهم بالبكاء أزيز، وافق فراغهم للوقت الذي فيه ربنا إلى السماء ينزل فيستجيب لمن دعاه، فيتعطف عليه ويقبل دعاءه، إذ ذاك أخذ الحاضرون بدعاء خاشع القلب حزين دعاء ذرفت منه العيون، ووجلت منه القلوب، ورقت بعد قسوتها حتى كادت تذوب، ورجى الله تعالى بالتأمين يديه، وأسبل دموعه على خديه، فلما رأيت ما كان من جمعهم، وما صدر من جميل صنعهم، لم أشك أن الله قد استجاب دعاءهم، وحقق ظنهم به ورجاءهم، وغلب على ظني أنها ليلة القدر التي جعلها الله خيراً من ألف شهر، ففرحت إذ بت في هذه الليلة المباركة وأنا سهيرهم وأنيسهم، ورجوت أن يغفر الله لي بهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فعند ذلك جرت على لساني هذه الأبيات من غير فكر ولا روية، فجاءت غير مستحسنة ولا مرضية، ولولا ما جرى فيها من ذكر الحال، كان أن يكتم أولى من أن يقال، وهي:

يا ليلة طاب فيها الذكر والسهر ... ولد للقارئ الآيات والسور

يجلو دجاها مصابيح منورة ... كأنها أنجم في جوفها زهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015