وأن ما رمته من الهدى، صار ضلالاً، فسألت عن عالم بهذه الأمور خبير، وطبيب بدواء هذه العلة الدواء، فدللت على أوحد دهره وأفضل علماء عصره أحسنهم هدياً وسمتاً. وأروعهم نطقاً وصمتاً. وأوسعهم في جميع العلوم علماً، وأنعتهم في كل المعاني فهماً. وهو شيخنا العلامة سيد القراء، وحجة الأدباء، وعمدة الفقهاء، وقدوة الفضلاء، علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي، فكتبت إليه بهذه الأبيات المبهرجة عند الامتحان العاطلة من حلي الإجادة والإحسان، أشكو إليه فيها بثي وحزني، وما استولت عليه هذه النفس العدوة مني، وأسأله كيف خلاص أسيرها من وثاقه، وكيف السبيل إلى هربه من جورها وإباقه، وهي هذه:
أيا عالماً في الناس ليس له مثل ... وحبراً على الأحبار أضحى له الفضل
أيا عالم الدين الذي ظل علمه ... بحوراً عذاباً منه يغترف الثكل
لقد حزت بين الأنام فضائلاً ... فمنها التقى والعلم والخلق السهل
وهديك هدى الصالحين ذوي الهدى ... وصيتك في المعروف ليس له مثل
تعلم دين الله ثم كتابه ... على سنن الماضين أهل الهدى قبل
نهارك تقريه لمن جاء قارئاً ... وليلك في التهجيد أجمعه يتلو
فأنشأ ربي في حياتك أنها ... حياة لها نفع من الخير ما يخلو
وبعد فإنني ذاكر لك سيدي ... أموراً قد أعيتني وعندي لها ثقل
ولا بد من شكوى إلى ذي بصيرة ... يربك سبيل الرشد إن حادت السبل
فأصغ إلى قولي أبث صبابتي ... إليك وأحزاني فقد مضني الكل